وبالتأكيد إن ذلك البغض وتلك الغيرة التي تأججت في قلب عائشة من أجل خديجة لا بد لها من فورة ومتنفس وإلا انفجرت، فلم تجد عائشة أمامها إلا فاطمة ابنة خديجة ربيبتها والتي هي في سنها أو تكبرها قليلا على اختلاف الرواة.
وبالتأكيد أيضا إن ذاك الحب العميق من رسول الله صلى الله عليه وآله لخديجة تجسد وقوي في ابنته ووحيدته فاطمة الزهراء عليها السلام، فهي الوحيدة التي عاشت مع أبيها تحمل في جنباتها أجمل الذكريات التي كان يحبها رسول الله في خديجة فكان يسميها أم أبيها.
وزاد في غيرة عائشة أن ترى رسول الله صلى الله عليه وآله يمجد ابنته فاطمة ويسميها سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة (1)، ثم يرزقه الله منها سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام، فترى رسول الله صلى الله عليه وآله يذهب ويبات عند فاطمة ساهرا على تربية أحفاده، ويقول: ولداي هذان ريحانتي من هذه الأمة، ويحملهما على كتفيه فتزداد بذلك عائشة غيرة لأنها عقيم.
ثم ازدادت الغيرة أكثر عندما شملت زوج فاطمة أبا الحسنين، لا لشئ إلا لحب الرسول صلى الله عليه وآله إياه وتقديمه على أبيها في كل المواقف، فلا شك أنها كانت تعيش الأحداث، وترى ابن أبي طالب يفوز في كل مرة على أبيها ويمضي بحب الرسول صلى الله عليه وآله له وتفضيله وتقديمه على من سواه، فقد عرفت أن أباها رجع مهزوما في غزوة خيبر ومن معه من الجيوش وأن رسول الله صلى الله عليه وآله تألم لذلك وقال: لأعطين غدا الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا ليس فرارا.