الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٥٣
ويقول الغزالي في ذم الدنيا إن كل ما ليس لله، فهو من الدنيا (صورة ومعنى)، وما هو لله، فذلك ليس من الدنيا! والأشياء ثلاثة أقسام:
(1) المعاصي والمحظورات وأنواع التنعمات في المباحات: هي الدنيا المحضة المذمومة (ولا يتصور أن يكون ذلك لله)!
(2) ما صورته لله، ويمكن أن يجعل لغير الله، وهو الفكر والذكر والكف عن الشهوات: (فإذا جرى ترك الشهوة مثلا، ولم يكن عليه باعث سوى أمر الله واليوم الآخر، فهو لله، وإن كان الغرض منه حفظ المال أو الحمية لصحة البدن أو الاشتهار بالزهد، فقد صار هذا من الدنيا بالمعنى)!
(3) ما صورته لحظ النفس ويمكن أن يكون معناه لله: وذلك كالأكل والنكاح وكل ما يرتبط به بقاؤه، فإن كان القصد حظ النفس، فهو من الدنيا، وإن كان القصد الاستعانة به على التقوى، فهو لله بمعناه!
فإذا الدنيا حظ نفسك العاجل الذي لا حاجة إليه لأمر الآخرة، ويعبر عنه بالهوى، ويقول الغزالي: " إن الخير أن لا يترك الإنسان الدنيا بالكلية، ولا يقمع الشهوات بالكلية، أما الدنيا فيأخذ منها قدر الزاد، وأما الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع والعقل، ولا يتبع كل شهوة، ولا يترك كل شهوة، بل يتبع العدل، ولا يترك كل شئ من الدنيا، ولا يطلب كل شئ من الدنيا، بل يعلم مقصود كل ما خلق من الدنيا ويحفظه على حد مقصوده "!
وقال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا، لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله، ومن يفعل ذلك، فأولئك هم الخاسرون "، ويقول الغزالي: إن المال مثل حية فيها سم وترياق، ففوائده ترياقه، وغوائله سمومه، وأما فوائده الدينية، فهي أن ينفقه على نفسه، إما في عبادة (كالاستعانة على الجهاد) أو في الاستعانة على عبادة (كالمطعم)، وما لا يصرفه إلى إنسان معين، ولكن يحصل به خير عام (كبناء المساجد ودور المرضى)، وما يصرفه إلى الناس من صدقة ومروءة ووقاية عرض وأجرة استخدام، سوى ما يتعلق بالحظوظ العاجلة من الخلاص من ذل السؤال والفقر والوصول إلى العز بين الخلق وكثرة الأعوان والكرامة في القلوب!
(٣٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 ... » »»