الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٥٧
وما لا يرتبط باختياره كالمصائب، أو لا يرتبط باختياره، ولكن له اختيار في إزالته كالتشفي من المؤذي بانتقام!
وهو محتاج إلى الصبر في كل واحد منهما، ومعنى الصبر على العافية، أن لا يركن إليها، ويعلم أن كل ذلك عسى أ يسترجع على القرب، وأن لا يرسل نفسه في الفرح بها، ولا ينهمك في التنعم واللذة واللهو واللعب، وأن يرعى حقوق الله في ماله بالإنفاق، وفي بدنه ببذل المعونة للخلق، وفي لسانه ببذل الصدق، وكذلك في سائر ما أنعم الله به عليه، وهذا الصبر متصل بالشكر.
والشكر نصف الإيمان، ويقول الغزالي إن الشكر لله لا يتم إلا بأن يعرف أن النعم كلها من الله، وهو المنعم، والوسائط مسخرون من جهته، ثم إن الحال المستمدة من أصل المعرفة، وهو الفرح بالمنعم مع هيئة الخضوع والتواضع هو أيضا في نفسه شكر على تجرده، كما أن المعرفة شكر، ولكن إنما يكون شكرا إذا كان حاويا شرطه، وشرطه أن يكون فرحك بالمنعم لا بالنعمة ولا بالإنعام (فيبعد عن معنى الشكر، إذا كان النظر مقصورا على الفرح بالنعمة من حيث أنها لذيذة وموافقة لغرضه، ويدخل في معنى الشكر، الفرح بالمنعم لا من حيث ذاته، بل من حيث معرفة عنايته)!
ويقول الغزالي إن العمل بموجب الفرح الحاصل من معرفة المنعم، يتعلق بالقلب (بقصد الخير وإضماره لكافة الخلق)، وباللسان (بإظهار الشكر لله تعالى بالتحميدات الدالة عليه)، وبالجوارح (باستعمال نعم الله تعالى في طاعته)!
ويقول الله تعالى " لئن شكرتم لأزيدنكم "، ومعنى الشكر استعمال نعمه تعالى في محابه، ومعنى الكفر نقيض ذلك، إما بترك الاستعمال أو باستعمالها في مكارهه!
ويقول الغزالي إنه لم يقصر بالخلق عن شكر النعمة إلا الغفلة عن معرفة المنعم، ثم إنهم إن عرفوا نعمة، ظنوا أن الشكر عليها أن يقول بلسانه الحمد لله، ولم يعرفوا أن معنى الشكر أن يستعمل النعمة في طاعة الله عز وجل، فلا يمنع من الشكر بعد حصول هاتين المعرفتين، إلا غلبة الشهوة واستيلاء الشيطان،
(٣٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 ... » »»