ولا تستحق الفرح، بل ينبغي أن يغمه مدح المادح، ومهما علم أن أمره بيد الخالق، وأن الأزرق والآجال بيد الله تعالى، سقط من قلبه حب المدح واشتغل بما يهمه من أمر دينه! والعلة في كراهة الذم، ضد العلة في حب المدح فعلاجه أيضا يفهم منه، فإن كان من ذمك صادقا وقصده النصح، فلا ينبغي أن تذمه، بل ينبغي أن تفرح به وتشتغل بإزالة الصفة المذمومة عن نفسك إن قدرت عليها، وإن كانت قصده الإيذاء والتعنت، فهو قد تضرر به في دينه وأنت قد انتفعت بقوله (إذا ذكرك عيبك أو أرشدك إليه أو قبحه في عينك وإن افترى عليك بما أنت برئ منه عند الله تعالى، فينبغي أن لا تكون ذلك، ولا تشتغل بذمه بل تفكر في أنك في غنى عنه، وأنك إن خلوت من ذلك العيب فلا تخلو من أشباهه، وما ستره الله من عيوبك أكثر، فاشكر الله تعالى إذ لم يطلعه على عيوبك، وأن ذلك كفارات لبقية مساويك (إذ أهدى إليك حسناته بغيبته)!
ويقول الغزالي إلى الرياء حرام، والمرائي عند الله ممقوت، واسم الرياء مخصوص بحكم العادة بطلب المنزلة في القلوب بالعبادات وإظهارها، وإذا لم يكن للمرائي بالعبادات إلا قصد الرياء المحض دون الأجر، فتبطل عبادته، بل يعصي بذلك، لأن فيه مكرا على الناس، لأنه خيل إليهم أنه مخلص مطيع لله، وليس كذلك (والتلبيس في أمر الدنيا حرام أيضا)، وهو مهما قصد بطاعة الله تعالى مراءاة عبد ضعيف لا يملك له ضرا ولا نفعا، ما ذلك إلا لأنه يظن أن ذلك العبد أقدر على تحصيل أغراضه من الله، وأنه أولى بالتقريب إليه منه، ولهذا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم " الشرك الأصغر "، ولو لم يكن في الرياء إلا أن يسجد ويركع لغير الله، الشرك الأصغر "، ولو لم يكن في الرياء إلا أن يسجد ويركع لغير الله، لكان فيه كفاية، ولعمري لو عظم غير الله بالسجود، لكفر كفرا جليا إلا أن الرياء هو الكفر الخفي لأن المرائي عظم في قلبه الناس، فاقتضت تلك العظمة أن يسجد ويركع إلا أنه قصد تعظيم نفسه في قلب من عظم عنده، بإظهار من نفسه صورة التعظيم لله، فعند هذا كان شركا خفيا!
وللمرائي مقصود لا محالة، وللمرائي لأجله ثلاث درجات: