الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٤٧
وقول وحركة وسكون، وجلب ودفع وفكر وذكر، وغير ذلك، فهي ثلاثة أقسام، طاعات ومعاص ومباحات:
(1) المعاصي: وهي لا تتغير عن موضعها بالنية، فلا ينبغي أن يفهم الجاهل ذلك من عموم قوله عليه السلام: " إنما الأعمال بالنيات "، فيظن أن المعصية تنقلب طاعة بالنية (كمن يبني مسجدا بمال حرام)، إذ النية لا تؤثر في إخراجه عن كونه ظلما وعدوانا ومعصية، بل قصده الخير بالشر على خلاف مقتضى الشرع، شر آخر، فإن عرفه فهو معاند للشرع، وإن جهله، فهو عاص بجهله، والقصود الخبيثة تضاعف الوزر!
(2) الطاعات: وهي مرتبطة بالنيات، في أصل صحتها، وفي تضاعف فضلها، أما الأصل فهو أن ينوي بها عبادة الله تعالى لا غير (فإن نوى الرياء، صارت معصية)، وأما تضاعف الفضل، فبكثرة النيات الحسنة، فيكون له بكل نية حسنة للخير ثواب، ثم تضاعف كل حسنة عشر أمثالها!
(3) المباحات: وما من شئ من المباحات إلا ويحتمل نية أو نيات، يصير بها من محاسن القربات، فالتطيب مثلا مباح، ولكن هل يقصد به التنعم بلذات الدنيا (فلا يعصى به، ولكن يسأل عنه)، أو يقصد به رياء الخلق، فيذكر بطيب الرائحة، أو ليتودد به إلى قلوب النساء الأجنبيات (وكل هذا يجعل التطيب معصية)، أما إذا كان ينوي به اتباع السنة يوم الجمعة وتعظيم المسجد، فلا يدخله إلا طيب الرائحة، ويقصد به ترويح جيرانه، ومعالجة دماغه، لتزيد به فطنته (فهذه نيات حسنة)!
ونيات الناس في الطاعات، أقسام: إذ منهم من يكون عمله إجابة لباعث الخوف (اتقاء النار) ومنهم من يعمل إجابة لباعث الرجاء (الرغبة في الجنة) وأما عبادة ذوي الألباب، فإنها لا تجاوز ذكر الله تعالى والفكر فيه، حبا لجماله وجلاله!
وثواب الناس بقدر نياتهم. ومن حضرت له نية في مباح ولم تحضر في فضيلة، فالمباح أولى، لأن الأعمال بالنيات (وذلك مثل العفو، فإنه أفضل من الانتصار
(٣٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 ... » »»