الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٤٠
الخارجة عن الخيال، فإذا ارتفع الحجاب بالموت، بقيت ملوثة بكدورات الدنيا وإن كانت متفاوتة، فمنها ما تراكم عليه الخبث وهؤلاء هم المحجوبون عن ربهم ومنها ما لم يخرج عن قبول التزكية، فيعرض على النار عرضا، يقمع منه الخبث الذي هو متدنس به، فإذا أكمل الله تطهيرها، يتجلى له الحق سبحانه وتعالى تجليا يكون انكشاف تجليه بالإضافة إلى علمه كانكشاف تجلى المرآة بالإضافة إلى ما تخيله، وهذه المشاهدة والتجلي هي التي تسمى رؤية (من غير تخيل وتصور وتقدير شكل وصورة)، ولا يفوز بدرجة النظر والرؤية إلا العارفون في الدنيا، والتجلي على درجات كالمعرفة، فإذا نعيم الجنة بقدر حب الله تعالى وحب الله تعالى بقدر معرفته، فأصل السعادات هي المعرفة " والذين آمنوا.
أشد حبا الله "!
وأصل حب الله لا ينفك عنه مؤمن، لأنه لا ينفك عن أصل المعرفة، ولكن يرى الغزالي أن العبد يكتسب حب الله تعالى في الدنيا، حتى ينتهي إلى العشق بسببين: قطع علائق الدنيا وإخراج حب غير الله من القلب " وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه "، وأظهر الموجودات وأجلاها هو الله تعالى، وكان هذا يقتضي أن تكون معرفته أول المعارف وأسبقها إلى الأفهام وأسهلها على العقول، ولكنا نرى الأمر غير ظاهر لانبهار العقول ودهشتها عن إدراكه، إذ عقولنا ضعيفة، وجمال الحضرة الإلهية في غاية الإشراق والاستنارة وفي غاية الاستغراق والشمول، فصار ظهوره سبب خفائه، ومن قويت بصيرته، لا يرى إلا الله تعالى، ولا يعرف غيره، فيعلم أن ليس في الوجود إلا الله، وأفعاله أثر من آثار قدرته، وإنما الوجود للواحد الحق الذي به وجود الأفعال كلها، ومن هذا حاله فلا ينظر إلى شئ من الأفعال إلا ويرى الفاعل، ويذهل عن الفعل!
وقال الله تعالى " يحبهم ويحبونه "، وقد اشترط للمحبة غفران الذنب، فقال: " قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني، يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم "، ويقول الغزالي إن الموجود التابع لا يكون مساويا للموجد المتبوع، فكان استعمال لفظ الحب في حق الخالق بطريق الاستعارة والمحبة في وضع اللسان
(٣٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 ... » »»