إنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم، إن صح الحديث فيه، ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه والترمذي في صحيحه وابن ماجة وغيرهم، أن أعمى أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال:
يا رسول الله إني أصبت في بصري، فادع الله لي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (توضأ وصل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد يا محمد إني أستشفع بك في رد بصري اللهم شفع النبي في)، وقال: (فإن كان لك حاجة فمثل ذلك)، فرد الله بصره، وإني ألفت نظرك إلى قوله: (فإن كان لك حاجة فمثل ذلك).
ثم قال الشوكاني: وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم = كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام = لأمرين:
الأول = ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
والثاني - أن التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة، إذ لا يكون الفاضل فاضلا إلا بأعماله.
فإذا قال القائل: اللهم إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به من العلم، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حكى عن الثلاثة الذين دخلوا الغار فانطبقت عليهم الصخرة إن كل واحد منهم توسل إلى الله بأعظم عمل عمله فارتفعت الصخرة، فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز أو كان شركا كما يزعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة من الله لهم ولا سكت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم، وإني أرجوك أن تمعن النظر في جعله ابن عبد السلام متشددا مع قوله بجواز التوسل به صلى الله تعالى عليه وسلم، غاية الأمر أنه قصر ذلك عليه.
ثم قال الشوكاني: وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون للتوسل إلى الله تعالى بالأنبياء والصالحين من نحو قوله تعالى: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)، ونحو قوله تعالى: (فلا تدعوا مع الله أحدا)، ونحو قوله تعالى: (له دعوة