بالأحاديث المروية في زيارة قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كقوله: (من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي) - رواه الدارقطني وابن ماجة =.
وأما ما يذكره بعض الناس من قوله: (من حج ولم يزرني فقد جفاني)، فهذا لم يروه أحد من العلماء وهو مثل قوله: (من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد ضمنت له على الله الجنة)، فإن هذا أيضا باطل باتفاق العلماء لم يروه أحد ولم يحتج به واحد، وإنما يحتج بعضهم بحديث الدارقطني، وقد احتج أبو محمد المقدسي على جواز السفر لزيارة قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقبور الأنبياء بأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يزور مسجد قباء، وأجاب عن حديث: (لا تشد الرحال) بأن ذلك محمول على نفي الاستحباب.
وأما الأولون فإنهم يحتجون بما في الصحيحين عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا)، وهذا الحديث اتفق الأئمة على صحته والعمل به، فلو نذر الرجل أن يصلي في مسجد أو مشهد أو يعتكف فيه أو يسافر إليه غير هذه الثلاثة لم يجب عليه ذلك باتفاق الأئمة، ولو نذر أن يأتي المسجد الحرام بحج أو عمرة وجب عليه ذلك باتفاق العلماء، ولو نذر أن يأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو المسجد الأقصى لصلاة أو اعتكاف وجب عليه الوفاء بهذا النذر عند مالك والشافعي وأحمد، ولم يجب عند أبي حنيفة لأنه لا يجب عنده بالنذر إلا ما كان من جنسه واجب بالشرع، وأما الجمهور فيوجبون الوفاء بكل طاعة لما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه ومن نذر أن يعصي الله تعالى فلا يعصه)، والسفر إلى المسجدين طاعة فلهذا وجب الوفاء به، وأما إلى بقعة غير المساجد الثلاثة فلم يوجب أحد من العلماء السفر إليه إذا نذره حتى نص العلماء على أنه لا يسافر إلى مسجد قباء لأنه ليس من الثلاثة، مع أن مسجد قباء يستحب زيارته لمن كان في المدينة، لأن ذلك ليس بشد رحل = كما في الحديث الصحيح =: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء لا يريد إلا الصلاة فيه كان كعمرة).
قالوا: ولأن السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من