المعنى المجازي حتى يصير مجازا مشهورا لا يحتاج إلى قرينة غير الشهرة وقد يكثر حتى يبلغ درجة الحقيقة فيسمى منقولا.
ثم المجاز قد يكون في الكلمة كما مر وقد يكون في الإسناد كأنبت الربيع البقل وصام نهاره وجرى النهر وبنى الأمير المدينة وغير ذلك فأسند الانبات إلى الربيع مجازا باعتبار أنه زمان له وحقه أن يسند إلى الله والصوم إلى النهار باعتبار أنه زمانه وحقه أن يسند إلى الشخص والجري إلى النهر باعتبار أنه مكانه وحقه أن يسند إلى الماء والبناء إلى الأمير باعتبار أنه سبب آمر وحقه أن يسند إلى البناء " ومما " جاء منه في القرآن الكريم " فما ربحت تجارتهم " أي فما ربحوا في تجارتهم " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا " والذي زادهم هو الله والآيات سبب (يذبح أبناءهم) والذي ذبحهم أتباع فرعون وهو سبب آمر (ينزع عنهما لباسهما) والنازع هو الله وإبليس سبب " يوما يجعل الولدان شيبا " والجاعل هو الله واليوم سبب لكثرة أهواله " يا هامان ابن لي صرحا " والبناء فعل العملة وهامان سبب آمر " فلا يخرجنكما من الجنة " والمخرج الله، وإبليس سبب " ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن " والآكل أهل السنين وهي زمان للأكل " وأخرجت الأرض أثقالها " والمخرج الله والأرض مكان للإخراج. " ولا بد " للمجاز في الإسناد أيضا من قرينة لفظية أو عقلية كقول الموحد انبت الربيع البقل فأن كونه موحدا كاف في حمل كلامه على المجاز في الإسناد. ومثله لو قال المسلم الموحد يا رسول الله اغفر لي أو اشف ولدي أو طول عمري أو ارزقني أو رد غائبي أو نحو ذلك فيجب حمل كلامه على المجاز في الإسناد أي كن سببا في ذلك بشفاعتك ودعاء الله لي ويكفي قرينة على ذلك كونه مسلما موحدا ولا يجوز تخطئته في هذا اللفظ فضلا عن الحكم بكفره وشركه الموجب لحل دمه وماله إلا من غبي غير عارف بأساليب كلام العرب أو معاند.
ثم إنه قد اختلف في المعاني الحقيقية لألفاظ كثيرة واردة في الكتاب والأخبار مثل صيغة افعل هل هي للوجوب أو الندب أو مشتركة بينهما، وصيغة لا تفعل هل هي للحرمة أو للكراهة أو مشتركة بينهما وكذا مادة الأمر والنهي وما يشتق منهما إلى غير ذلك مما تضمنته كتب الأصول، وكيفما قلنا فقد كثر استعمال اللفظين في الندب والكراهة كثرة مفرطة بحيث يصعب الحكم بالوجوب أو الحرمة بمجرد ورودهما إذ لعلهما صارا مجازا