على أن ما بين الدفتين منزل منه تعالى، إما دلالته ففيه المحكم والمتشابه أو المجمل والمبين فالمحكم ما يكون ظاهر الدلالة ويسمى المبين. والمتشابه ما يكون غير ظاهر الدلالة بل المعاني فيه على السواء في الاحتمال ويسمى المجمل، ثم المبين قسمان: النص وهو ما لا يحتمل الخلاف، والظاهر وهو الراجح مع احتمال الخلاف. ويسمى المرجوح المقابل للظاهر: المؤل. وفي الكتاب أيضا العام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ.
ولا يجوز الاحتجاج من الكتاب بغير النص والظاهر إلا ما بينته السنة بعد ثبوتها أو الاجماع. كما لا يجوز العمل بالعام أو المطلق إلا بعد الفحص عن الخاص أو المقيد ولا بالدليل إلا بعد الفحص عن معارضه أو ناسخه لأن الدليل لا يكون دليلا بدون ذلك.
وبسبب وجود هذه الأقسام الكثيرة في القرآن وغيرها أمكن لكل ذي قول حقا كان أو باطلا أن يستند في صحة قوله إلى ظاهر آية من القرآن. فربما استند إلى الحقيقة وغفل عن قرينة المجاز أو المطلق أو العام وغفل عن المقيد أو الخاص إلى غير ذلك. وقد جمع أحمد بن محمد بن المظفر الرازي من أعيان القرن السابع ومن علماء أهل السنة كتابا سماه " حجج القرآن " ذكر فيه من الآيات ما يمكن أن تحتج به كل فرقة لمذهبها وأقوالها المتباينة المتناقضة. ونحن نذكر مثالا من ذلك من جملة ما ذكره وما لم يذكره: فالوعيدية المنكرون للعفو الموجبون المؤاخذة على المعاصي يمكنهم الاستدلال بآية: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. والوعيدية القائلون برفع المؤاخذة بالكلية وإن الله لا يعاقب على المعصية لهم الاستناد إلى آية: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا. والمثبتون للرؤية في الآخرة استندوا إلى آية: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة. والنافون إلى قوله: لا تدركه الأبصار.
لن تراني. والجبرية إلى آيات كثيرة مثل: وخلق كل شئ. قل كل من عند الله. يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة. يضل من يشاء ويهدي من يشاء. إن الله لا يهدي القوم الكافرين. فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء والعدلية إلى مثلها كقوله تعالى:
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. وما الله يريد ظلما للعباد. أو للعالمين. سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا " الآية ". فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا. قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا والقائلون بالتجسيم على الحقيقة بالجهة يستندون إلى الآيات التي فيها اليد والعين والوجه والنافون إلى آية: ليس كمثله شئ. والمجوزون المعصية على الأنبياء