فأعظم بها حجة عليه فقال زياد ما تدع النصيحة لأخيك وترك الحج فيما قاله البلاذري وقيل حج ولم يزر من أجل قول أبي بكرة وقيل أراد الدخول عليها فذكر قول أبي بكرة فانصرف وقيل إنها حجبته " قال السبكي " والقصة على كل تقدير تشهد لأن زيارة الحاج كانت معهودة من ذلك الوقت وإلا فكان يمكنه الحج من غير طريق المدينة بل هي أقرب إليه لأنه كان بالعراق ولكن كان إتيان المدينة عندهم أمرا لا يترك (انتهى) " لا يقال " نحن نسلم بأن إتيان المدينة أمر راجح مستحب ولكن بقصد الصلاة في المسجد والزيارة تبع والذي نمنعه إتيانها بقصد الزيارة " لأنا نقول " المعروف بين المسلمين من عهد الصحابة إلى اليوم إتيان المدينة بقصد الزيارة هذا الذي جرت عليه سيرتهم وعملهم لا يخطر ببالهم غيره ولا يدور في خلدهم سواه وأما قصد المسجد وكون الزيارة تبعا فشئ لم يكن يعرفه أحد قبل الوهابية ولو كان لحرمة قصد الزيارة بالسفر أصل في الشرع لشاعت وذاعت وعرفها جميع المسلمين وكانت وصلت إلى حد الضرورة لاحتياج الجميع إلى معرفتها ولكانت قامت بها الخطباء والوعاظ وبينتها العلماء وحذروا الناس منها لئلا يقصدوا بسفرهم الزيارة فيقعوا في الحرام الموجب للعقاب من حيث قصدوا الثواب ولكان بينها أصحاب كتب المناسك الذين لم يهملوا شيئا يتعلق بالحج والزيارة من المستحبات فضلا عن هذا الأمر المهم الموقع في الحرام (أما المنقول) عن أئمة المذاهب الأربعة ففي وفاء الوفا (1) بعد ما ذكر اختلاف السلف في أن الأفضل البدأة بالمدينة أو بمكة حكى عن الإمام أبي حنيفة إن الأحسن البدأة بمكة وإن بدأ بالمدينة جاز فيأتي قريبا من قبر رسول الله (ص) فيقوم بين القبر والقبلة (انتهى) وأما ما يحكى عن مالك أنه كره أن يقال زرنا قبر النبي " ص " فهو على فرض صحته محمول على كراهة التلفظ بهذا اللفظ لبعض الوجوه التي ذكروها مما لا نطيل بنقله، لا لكراهة أصل الزيارة مع أن العلماء ناقشوه في كراهة هذا اللفظ كالسبكي وابن رشد على ما في وفاء الوفا وذكر السمهودي في وفاء الوفا (2) أقوال الشافعية في استحباب زيارة النبي " ص " ثم قال والحنفية قالوا إن زيارة قبر النبي (ص) من أفضل المندوبات والمستحبات بل تقرب من درجة
(٣٧١)