قول عائشة فلولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا والمراد بإبراز قبره هدم الحجرة الشريفة التي عليه وجعله بارزا ظاهرا يراه الناس. وإن الصلاة إلى القبر لا بهذا القصد مكروهة وإن اتخاذ مسجد بجوار صالح لا محذور فيه وإن أخبار كنيسة الحبشة ظاهرة في ذمهم على تصوير الصور وعبادتها كما هو المألوف عند النصارى " وقول " النووي إنهم لما احتاجوا إلى زيادة في المسجد بنوا على القبر حيطانا مرتفعة الخ الظاهر أنه إشارة إلى الحظار الذي بناه عمر بن عبد العزيز على الحجرة الشريفة وجعله مزورا من جهة الشمال بالصفة التي ذكرها النووي لأن حيطان الحجرة كانت محيطة بالقبر الشريف من أول الأمر كما مر في الفصل التاسع فقوله ثم بنوا جدارين أي بعد الفراغ من عمل الحظار المربع.
ومما يدل على أن النهي في هذه الأخبار مراد به الكراهة ذكر زائرات القبور أو زوارات القبور وتخصيص اللعن بهن دون الزائرين المحمول على الكراهة كما ستعرف تفصيل الكلام في فصل الزيارة وهذا دليل آخر على جواز اللعن من الشارع على فعل المكروه. فتحصل من ذلك أن هذه الأخبار بعد تسليم صحة أسانيدها لا ربط لها بما يحاوله الوهابية من عدم جواز البناء حول قبور الأنبياء وعقد القباب فوقها ووجوب هدمها (أولا) لأنه ليس أحد من المسلمين يجعل ذلك مسجدا (ثانيا) لو فرض فلا دلالة لتلك الأخبار على عدم جوازه كما عرفت بل ولا على كراهته إذ المسجد يكون خارجا عن محل القبر ومحل القبر لا يصلى عليه ولا يجعل مسجدا وجعل المسجد بجوار قبر نبي أو صالح لا مانع منه كما عرفت من تصريح علماء المسلمين بذلك والممنوع منه الصلاة إليه تعظيما له أو السجود له ولا يفعل ذلك أحد من المسلمين إنما يسجدون لله تعالى ويصلون إلى القبلة " ومما يدل " بأقوى دلالة لا يمكن لأحد دفعها على أن اتخاذ مسجد حول القبر جائز ومستحب ما فعله المسلمون وتتابعوا عليه في سائر الأعصار من توسيع مسجد النبي صلى الله عليه وآله حتى صار قبره الشريف وحجرته المنيفة في وسط المسجد بعدما كانت بجانبه الشرقي فأصبح المسجد محيطا بها وذلك في خلافة الوليد بن عبد الملك وبقي كذلك إلى اليوم بمرأى من علماء الأمة وصلحائها في كل عصر وكان المتولي لتوسيعه عمر بن عبد العزيز صالح بني أمية وفاضلهم وعادلهم الذي قال في حقه ابن سعد صاحب الطبقات