بالأرض ليست من السنة بالاتفاق للاتفاق على استحباب رفع القبر عن الأرض في الجملة وعلى كل حال فلا دلالة فيه على عدم جواز البناء على القبور ولا ربط له بذلك فيجعل علو القبر نحو شبر ويجعل عليه حجرة أو قبة. والحاصل أنه سواء جعلنا معنى قوله ولا قبرا مشرفا إلا سويته ولا قبرا مسنما إلا سطحته وأزلت سنامه كما هو الظاهر. أو ولا قبرا عاليا إلا وطيته، لا ربط لذلك بالبناء على القبور. وما ذكرناه في معنى الحديث هو الذي فهمه منه العلماء وأئمة الحديث. وروى مسلم في صحيحه في كتاب الجنائز (1) بسنده عن ثمامة قال كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوي ثم قال سمعت رسول الله " ص " يأمر بتسويتها ثم روى حديث أبي الهياج ومن الواضح أن قوله فأمر فضالة بقبره فسوي أي سطح ولم يجعله مسنما وكذا قوله سمعت رسول الله " ص " يأمر بتسويتها أي تسطيحها وليس المراد أنه أمر به فهدم لأنه لم يكن مبنيا ولا المراد أنه أمر به فسوي مع الأرض لأن ذلك خلاف السنة للاتفاق على استحباب تعليتها عن الأرض في الجملة كما عرفت فتعين أن يراد به التسطيح فكذا خبر أبي الهياج الذي عقب به مسلم وساقه مع هذا الحديث في مساق واحد وذلك دليل على أنه حمل قوله ولا قبرا مشرفا إلا سويته على معنى ولا قبرا مسنما إلا سطحته. وقال النووي: في الشرح قوله يأمر بتسويتها وفي الرواية الأخرى ولا قبرا مشرفا إلا سويته فيه أن السنة أن القبر لا يرفع عن الأرض رفعا كثيرا ولا يسنم بل يرفع نحو شبر ويسطح وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه (انتهى) فحمل التسوية على التسطيح وعدم رفع القبر كثيرا كما ترى. ومن العجيب أن بعض الوهابيين في رسالته المسماة بالفواكه العذاب إحدى رسائل الهدية السنية الحاوية لمناظرة مؤلفها النجدي مع علماء الحرم الشريف بزعمه في عهد الشريف غالب سنة 1211 استدل على عدم جواز البناء على القبور بحديثي فضالة وأبي الهياج المذكورين مع أنهما كما عرفت واردان في التسطيح ولا مساس لهما بعدم جواز البناء حتى لو سلمنا أن حديث أبي الهياج يدل على عدم الرفع كثيرا كما فهمه النووي في كلامه السابق فلا دلالة له على عدم جواز البناء على القبور فلو جعل علو القبر نحو شبر وبني عليه حجرة
(٢٩٥)