ثم باللسان ثم بالقلب فإذا مر عالم بمن يأخذ المكوس لم يستطع الانكار باليد ولا باللسان فيجب على من رآه ساكتا أن يعتقد أنه أنكر بقلبه فإن حسن الظن بالمسلمين أهل الدين والتأويل لهم ما أمكن واجب فالداخلون إلى الحرم الشريف والمشاهدون لمقامات المذاهب الأربعة معذورون عن الانكار إلا بالقلب كالمارين على المكاسين والقبوريين فهذه الأمور أسسها من بيده السيف ودماء العباد وأموالهم وأعراضهم تحت لسانه وقلمه فكيف يقوى أحد على دفعه (انتهى). وفيه اعتراف بوقوع السيرة على أكمل وجوهها وأتمها بحيث لم يقع في الإسلام سيرة مثلها بما اختصرناه من عباراته فضلا عما أطال به من باقي عباراته المسجعة كعادته وعادة أصحابه الوهابية وقد اعترف في جوابه بوقوع ذلك من جميع طبقات الناس من العوام والعلماء والفضلاء والقضاة والمفتين والمدرسين والأولياء والعارفين والأمراء والحكام بدون نكير ولم يخرج عنه باعترافه طبقة من الطبقات فأي سيرة أقوى من هذه وأشمل. أما جوابه بأن الحق ما قام عليه الدليل لا ما اتفقت عليه الأجيال ففيه أن اتفاق الأمة جيلا بعد جيل دليل قطعي لا دليل أقوى منه حتى يعارضه. وقوله:
إن سكوت العالم أو العالم على منكر ليس دليلا على جوازه فيه أن ذلك إذا علم أنه منكر والبناء على القبور محل النزاع فأنتم تدعونه منكرا ونحن نقول إنه معروف ونستدل بسيرة المسلمين الكاشفة بوجه القطع عن أخذه من صاحب الشرع فإذا سكت العلماء والعالم عن أمر مع قدرتهم على الانكار علمنا أنه ليس منكرا. أما المثل الذي ضربه من أخذ المكوس حتى في مكة المكرمة وسكوت العلماء. ففيه أنه قياس مع الفارق. (أولا) إن الآخذين للمكوس هم الحكام وذوو الشوكة وحدهم والبانون للقبور وللقباب عليها والمعظمون لها المتبركون بها هم جميع طبقات الناس فبطل القياس. (ثانيا) إن المكوس أمور دولية تعارض فيها الحكام الذين تخاف سطوتهم لمنافاة تركها لمصلحتهم وإخلاله بأمور دولتهم بخلاف بناء القبور وتعظيمها فإنها أمور دينية صرفة مرجعها العلماء وأهل الدين فسكوت العلماء عن الأول لا يدل على الرضا بخلاف الثاني. (ثالثا) إن العلماء وجميع المتدينين غير ساكتين عن الاجهار بتحريم المكوس وذم قابضها وتفسيقه والتجنب عنها وعدها من السحت يجيبون بذلك كل من يسألهم ويثبتونه في كتبهم ويتحدثون به في مجتمعاتهم وها هو يصرح بتحريمه في رسالته هذه ويندد بفاعليه ويذمهم أشد الذم مع