لم يكن ذلك منافيا للحديث المذكور كما عرفت ولكن هؤلاء يسردون الأحاديث ويجعلونها دالة على مرادهم بالسيف ومن أبى كفر وأشرك " معزا ولو طارت " وقال القسطلاني:
في إرشاد الساري شرح صحيح البخاري (1): روى أبو داود بإسناد الصحيح أن القاسم ابن محمد بن أبي بكر قال دخلت على عائشة فقلت لها اكشفي لي عن قبر النبي " ص " وصاحبيه فكشفت عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء أي لا مرتفعة ولا لاصقة بالأرض كما بينه في آخر الحديث (انتهى). ثم قال القسطلاني:
ولا يؤثر في أفضلية التسطيح كونه صار شعار الروافض لأن السنة لا تترك بموافقة أهل البدع فيها ولا يخالف ذلك قول علي رضي الله عنه أمرني رسول الله " ص " أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته لأنه لم يرد تسويته بالأرض وإنما أراد تسطيحه جمعا بين الأخبار نقله في المجموع عن الأصحاب (انتهى). وقال الترمذي: باب ما جاء في تسوية القبور ولم يقل في هدم القبور ثم أورد حديث أبي الهياج وظاهر أنه لم يحمل التسوية فيه إلا على التسطيح لأن ذلك هو معناها لغة وعرفا ولا ربط له بعدم جواز البناء عليها مع أن الوهابيين في الرسالة الآنفة الذكر (2) أو ردوا هذا الذي ذكره الترمذي دليلا على عدم جواز البناء.
(الثالث) من أدلتهم ما أشار إليه ابن بليهد في سؤاله الموجه لعلماء المدينة من قوله وإذا كان البناء في مسبلة كالبقيع الخ. وفيه أن تسبيلها أي وقفها في سبيل الله مقبرة للمسلمين دعوى بلا دليل إذ لم ينقل ناقل أن أحدا وقفها لذلك فهي باقية على الإباحة الأصلية ولو فرض وقفها مقبرة فليس على وجه التقييد بعد جواز الانتفاع بها إلا بقدر الدفن وعدم جواز البناء زيادة على ذلك حتى على قبر عظيم عند الله يصون البناء قبره عما لا يليق وينتفع به الزائرون لقبره ويستظلون به من الحر والقر عند زيارته وقراءة القرآن والصلاة والدعاء لله تعالى عند قبره الثابت رجحانه كما ستعرف ذلك كلا في محله ولا أقل من الشك في كيفية الوقف لو فرض محالا حصوله فيحمل بناء المسلمين فيه على الصحيح لوجوب حمل أفعالهم وأقوالهم على الصحة مهما أمكن وكذا لو فرض محالا إننا علمنا أنها كانت مملوكة فلا مناص لنا عن حمل البناء فيها على الوجه الصحيح الذي هو