الفجر الصادق - جميل صدقى الزهاوي - الصفحة ٧١
لا يقال إنه كما أن مسمع الموتى في الحقيقة هو الله تعالى كذلك أن مسمع الأحياء في الحقيقة ليس غيره لأن الله تعالى هو الخالق لجميع الأفعال كما هو المذهب الحق فما وجه التمثيل بالموتى لأنا نقول أما أولا فإن كون الله تعالى وحده هو المسمع للموتى أمر لا يلتبس حتى على العامي وأما كونه تعالى هو المسمع للأحياء في الحقيقة فليس كذلك لأنه قد يظن أن المسمع للمخاطب هو المتكلم لما يرى من أن سماع المخاطب يعقب الصوت الخارج من فم المتكلم فلا يكون التمثيل بالأحياء لائقا وذلك لأن التمثيل يقتضي أن يكون الممثل به واضحا أمره وهو في الأحياء ليس كذلك كما بيناه وأما ثانيا فإن الكفار لما كانوا أحياء فتمثيلهم في عدم إسماع النبي إياهم بالأحياء في عدم إسماعه إياهم أيضا قريب من تشبيه الشئ بنفسه فيكاد يكون من قبيل قول الشاعر (كأننا والماء من حولنا * قوم جلوس حولهم ماء) أجابت الوهابية عن حديث أهل القليب بأن سماع الموتى حين سؤال النبي صلى الله عليه وسلم إياهم كان معجزة له فلا يدل أنهم يسمعون كلام غيره أيضا والجواب أن المعجزة لا تكون معجزة إلا إذا ظهرت لغير مظهرها كتكلم الحصى فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسمعون صوت تسبيحه في كفه صلى الله عليه وسلم ولا يمكن ههنا أن يكون سماع الأموات كلام النبي صلى الله عليه وسلم معجزة لأنه لم يظهر لغيره صلى الله عليه وسلم وأيضا ينافي كون ذلك معجزة حديث أنه ليسمع قرع نعالهم فإنه يدل على أنهم يسمعون كلام غير النبي أيضا.
وأجابت الوهابية أيضا بأن المقصود من تكليم النبي للموتى هو وعظ
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»