الفجر الصادق - جميل صدقى الزهاوي - الصفحة ٧٠
يسمع فيلزم من إثبات العلم لهم إثبات السماع أيضا ضرورة وأما قوله تعالى (وما أنت بمسمع من في القبور) وقوله تعالى (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون) فليس فيه دلالة على نفي مطلق السماع عن الموتى وإنما يدل على نفي السماع الذي ينتفع به وذلك لأن المراد بمن في القبور في الآية الأولى وبالموتى في الآية الثانية إنما هم الكفار تشبيها لهم بمن في القبور من الموتى فكما أن الموتى لا يسمعون سماعا نافعا وهو السماع الذي يتم به التخاطب بين السامع والمسموع منه كذلك الكفار لا يسمعون ما يلقيه النبي صلى الله عليه وسلم عليهم من الآيات في إنذارهم سماعا نافعا يهتدون به إلى الإيمان وإلا فمطلق السماع ثابت للكفار فإنهم يسمعون ما يقوله النبي لهم ولكنهم لا ينتفعون بما يسمعونه ويؤيد هذا قوله تعالى (ولو علم الله فيهم خيرا لا سمعهم ولو أسمعهم لتولوا) فإن المراد بالسماع في قوله لا سمعهم هو السماع النافع وفي قوله ولو أسمعهم هو السماع غير النافع وإلا لفسد المعنى إذ تكون الآية حينئذ قياسا تكرر فيه الحد الأوسط فينتج برفعنا الحد الأوسط أنه لو علم الله فيهم خيرا لتولوا وهذا محال كما ترى إذ يلزم أن يقع منهم التولي الذي هو شر مع علم الله الخير فيهم فيكون علم الله جهلا تعالى عن ذلك علوا كبيرا وفي الآيتين السابقتين مخرج ثان وهو أن المراد بالإسماع المنفي فيهما هو إسماع الهداية كما يدل عليه مساق الآيتين فيكون المعنى إنك لا تهدي بنفسك الكفار لأنهم كالموتى وأنت لا تسمع بنفسك الموتى وإنما المسمع إياهم هو الله تعالى وهذا كما في قوله تعالى (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»