شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٤٩٨
فلما لم يفعل ما خلق له وفطر عليه من محبة الله وعبوديته والإنابة اليه عوقب على ذلك بأن زين له الشيطان ما يفعله من الشرك والمعاصي فإنه صادف قلبا خاليا قابلا للخير والشر ولو كان فيه الخير الذي يمنع ضده لم يتمكن منه الشر كما قال تعالى * (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) * وقال إبليس * (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) * وقال الله عز وجل * (هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) * والإخلاص خلوص القلب من تأليه ما سوى الله تعالى وإرادته ومحبته فخلص لله فلم يتمكن منه الشيطان وأما إذا صادفه فارغا من ذلك تمكن منه بحسب فراغه فيكون جعله مذنبا مسيئا في هذه الحال عقوبة له على عدم هذا الإخلاص وهي محض العدل فإن قلت فذلك العدم من خلقه فيه قيل هذا سؤال فاسد فإن العدم كاسمه لا يفتقر إلى تعلق التكوين والإحداث به فإن عدم الفعل ليس أمرا وجوديا حتى يضاف إلى الفاعل بل هو شر محض والشر ليس إلى الله سبحانه كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث الاستفتاح لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك وكذا في حديث الشفاعة يوم القيامة حين يقول الله له يا محمد فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك وقد أخبر الله تعالى أن تسليط الشيطان إنما هو على
(٤٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 493 494 495 496 497 498 499 500 501 502 503 ... » »»