فقوله * (فألهمها فجورها وتقواها) * إثبات للقدر بقوله فألهمها وإثبات لفعل العبد بإضافة الفجور والتقوى إلى نفسه ليعلم أنها هي الفاجرة والمتقية وقوله بعد ذلك * (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) * إثبات أيضا لفعل العبد ونظائر ذلك كثيرة وهذه شبهة أخرى من شبه القوم التي فرقتهم بل مزقتهم كل ممزق وهي أنهم قالوا كيف يستقيم الحكم على قولكم بأن الله يعذب المكلفين على ذنوبهم وهو خلقها فيهم فأين العدل في تعذيبهم على ما هو خالقه وفاعله فيهم وهذا السؤال لم يزل مطروقا في العالم على ألسنة الناس وكل منهم يتكلم في جوابه بحسب علمه ومعرفته وعنه تفرقت بهم الطرق فطائفة أخرجت أفعالهم عن قدرة الله تعالى وطائفة أنكرت الحكم والتعليل وسدت باب السؤال وطائفة أثبتت كسبا لا يعقل جعلت الثواب والعقاب عليه وطائفة التزمت لأجله وقوع مقدور بين قادرين ومفعول بين فاعلين وطائفة التزمت الجبر وأن الله يعذبهم على ما لا يقدرون عليه وهذا السؤال هو الذي أوجب التفرق والاختلاف والجواب الصحيح عنه أن يقال إن ما يبتلى به العبد من الذنوب الوجودية وإن كانت خلقا لله تعالى فهي عقوبة له على ذنوب قبلها فالذنب يكسب الذنب ومن عقاب السيئة السيئة بعدها فالذنوب كالأمراض التي يورث بعضها بعضا يبقى أن يقال فالكلام في الذنب الأول الجالب لما بعده من الذنوب يقال هو عقوبة أيضا على عدم فعل ما خلق له وفطر عليه فإن الله سبحانه خلقه لعبادته وحده لا شريك له وفطره على محبته وتأليهه والإنابة اليه كما قال تعالى * (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها) *
(٤٩٧)