فإن قيل فإذا لم يخلق ذلك في قلوبهم ولم يوفقوا له ولا سبيل لهم اليه بأنفسهم عاد السؤال وكان منعهم منه ظلما ولزمكم القول بأن العدل هو تصرف المالك في ملكه بما يشاء لا يسأل عما يفعل وهم يسألون قيل لا يكون سبحانه بمنعهم من ذلك ظالما وإنما يكون المانع ظالما إذا منع غيره حقا لذلك الغير عليه وهذا هو الذي حرمه الرب على نفسه وأوجب على نفسه خلافه وأما إذا منع غيره ما ليس بحق له بل هو محض فضله ومنته عليه لم يكن ظالما بمنعه فمنع الحق ظلم ومنع الفضل والإحسان عدل وهو سبحانه العدل في منعه كما هو المحسن المنان بعطائه فإن قيل فإذا كان العطاء والتوفيق إحسانا ورحمة فهلا كان العمل له والغلبة كما أن رحمته تغلب غضبه قيل المقصود في هذا المقام بيان أن هذه العقوبة المترتبة على هذا المنع والمنع المستلزم للعقوبة ليس بظلم بل هو محض العدل وهذا سؤال عن الحكمة التي أوجبت تقديم العدل على الفضل في بعض المحال وهلا سوى بين العباد في الفضل وهذا السؤال حاصله لم تفضل على هذا ولم يتفضل على الآخر وقد تولى الله سبحانه الجواب عنه بقوله * (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) * وقوله * (لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) * ولما سأله اليهود والنصارى عن تخصيص هذه الأمة بأجرين وإعطائهم هم أجرا أجرا قال هل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء وليس في الحكمة اطلاع كل فرد من أفراد الناس على كمال حكمته في عطائه ومنعه بل إذا
(٥٠٠)