الذين يتولونه والذين هم به مشركون فلما تولوه دون الله وأشركوا به معه عوقبوا على ذلك بتسليطه عليهم وكانت هذه الولاية والإشراك عقوبة خلو القلب وفراغه من الإخلاص فإلهام البر والتقوى ثمرة هذا الإخلاص ونتيجته وإلهام الفجور عقوبة على خلوه من الإخلاص فإن قلت إن كان هذا الترك أمرا وجوديا عاد السؤال جذعا وإن كان أمرا عدميا فكيف يعاقب على العدم المحض قيل ليس هنا ترك هو كف النفس ومنعها عما تريده وتحبه فهذا قد يقال إنه أمر وجودي وإنما هنا عدم وخلو من أسباب الخير وهذا العدم هو محض خلوها مما هو أنفع شيء لها والعقوبة على الأمر العدمي هي بفعل السيئات لا بالعقوبات التي تناله بعد إقامة الحجة عليه بالرسل فلله فيه عقوبتان إحداهما جعله مذنبا خاطئا وهذه عقوبة عدم إخلاصه وإنابته وإقباله على الله وهذه العقوبة قد لا يحس بألمها ومضرتها لموافقتها شهوته وارادته وهي في الحقيقة من أعظم العقوبات والثانية العقوبات المؤلمة بعد فعله للسيئات وقد قرن الله تعالى بين هاتين العقوبتين في قوله تعالى * (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء) * فهذه العقوبة الأولى ثم قال * (حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة) * فهذه العقوبة الثانية فإن قيل فهل كان يمكنهم أن يأتوا بالإخلاص والإنابة والمحبة له وحده من غير أن يخلق ذلك في قلوبهم ويجعلهم مخلصين له منيبين له محبين له أم ذلك محض جعله في قلوبهم وإلقائه فيها قيل لا بل هو محض منته وفضله وهو من أعظم الخير الذي هو بيده والخير كله في يديه ولا يقدر أحد أن يأخذ من الخير إلا ما أعطاه ولا يتقي من الشر إلا ما وقاه
(٤٩٩)