شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٤٩٤
وهم أثبتوا خالقين وهدى الله المؤمنين أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فكل دليل صحيح يقيمه الجبري فإنما يدل على أن الله خالق كل شيء وأنه على كل شيء قدير وأن أفعال العباد من جملة مخلوقاته وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا يدل على أن العبد ليس بفاعل في الحقيقة ولا مريد ولا مختار وأن حركاته الاختيارية بمنزلة حركة المرتعش وهبوب الرياح وحركات الأشجار وكل دليل صحيح يقيمه القدري فإنما يدل على أن العبد فاعل لفعله حقيقة وأنه مريد له مختار له حقيقة وأن إضافته ونسبته إليه إضافة حق ولا يدل على أنه غير مقدور لله تعالى وأنه واقع بغير مشيئته وقدرته فإذا ضممت ما مع كل طائفة منهما من الحق إلى حق الأخرى فإنما يدل ذلك على ما دل عليه القرآن وسائر كتب الله المنزلة من عموم قدرة الله ومشيئته لجميع ما في الكون من الأعيان والأفعال وأن العباد فاعلون لأفعالهم حقيقة وأنهم يستوجبون عليها المدح والذم وهذا هو الواقع في نفس الأمر فإن أدلة الحق لا تتعارض والحق يصدق بعضه بعضا ويضيق هذا المختصر عن ذكر أدلة الفريقين ولكنها تتكافأ وتتساقط ويستفاد من دليل كل فريق بطلان قول الآخر ولكن أذكر شيئا مما استدل به كل من الفريقين ثم أبين أنه لا يدل على ما استدل عليه من الباطل فما استدلت به الجبرية قوله تعالى * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) * فنفى الله عن نبيه الرمي وأثبته لنفسه سبحانه فدل على أنه لا صنع للعبد قالوا والجزاء غير مرتب على الأعمال بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لن يدخل أحد الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن
(٤٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 ... » »»