وأما استدلال المعتزلة بقوله تعالى * (فتبارك الله أحسن الخالقين) * فمعنى الآية أحسن المصورين المقدرين والخلق يذكر ويراد به التقدير وهو المراد هنا بدليل قوله تعالى * (الله خالق كل شيء) * أي الله خالق كل شيء مخلوق فدخلت أفعال العباد في عموم كل وما أفسد قولهم في إدخال كلام الله تعالى في عموم كل الذي هو صفة من صفاته يستحيل عليه أن يكون مخلوقا وأخرجوا أفعالهم التي هي مخلوقة من عموم كل وهل يدخل في عموم كل إلا ما هو مخلوق فذاته المقدسة وصفاته غير داخلة في هذا العموم ودخل سائر المخلوقات في عمومها وكذا قوله تعالى * (والله خلقكم وما تعملون) * ولا نقول إن ما مصدرية أي خلقكم وعملكم إذ سياق الآية يأباه لأن إبراهيم عليه السلام إنما أنكر عليهم عبادة المنحوت لا النحت والآية تدل على أن المنحوت مخلوق لله تعالى وهو ما صار منحوتا إلا بفعلهم فيكون ما هو من آثار فعلهم مخلوقا لله تعالى ولو لم يكن النحت مخلوقا لله تعالى لم يكن المنحوت مخلوقا له بل الخشب أو الحجر لا غير وذكر أبو الحسين البصري إمام المتأخرين من المعتزلة أن العلم بأن العبد يحدث فعله ضروري وذكر الرازي أن افتقار الفعل المحدث الممكن إلى مرجح يجب وجوده عنده ويمتنع عند عدمه ضروري وكلاهما صادق فيما ذكره من العلم الضروري ثم ادعاء كل منهما أن هذا العلم الضروري يبطل ما ادعاه الآخر من الضرورة غير مسلم بل كلاهما صادق فيما ادعاه من العلم الضروري وإنما وقع غلطه في إنكاره ما مع الآخر من الحق فإنه لا منافاة بين كون العبد محدثا لفعله وكون هذا الإحداث وجب وجوده بمشيئة الله تعالى كما قال تعالى * (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) *
(٤٩٦)