يدل على نقيض هذا القول في مواضع نزه الله نفسه فيها عن فعل ما لا يصلح له ولا ينبغي له فعلم أنه منزه مقدس عن فعل السوء والفعل المعيب المذموم كما أنه منزه مقدس عن وصف السوء والوصف المعيب المذموم وذلك كقوله تعالى * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) * فإنه نزه نفسه عن خلق الخلق عبثا وأنكر على من حسب ذلك وهذا فعل وقوله تعالى * (أفنجعل المسلمين كالمجرمين) * وقوله تعالى * (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) * إنكار منه على من جوز أن يسوي الله بين هذا وهذا وكذا قوله * (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) * إنكار على من حسب أنه يفعل هذا وإخبار أن هذا حكم سئ قبيح وهو مما ينزه الرب عنه وروى أبو داود والحاكم في المستدرك من حيث ابن عباس وعبادة بن الصامت وزيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم وهذا الحديث مما يحتج به الجبرية وأما القدرية فلا يتأتى على أصولهم الفاسدة ولهذا قابلوه إما بالتكذيب أو بالتأويل وأسعد الناس به أهل السنة الذين قابلوه بالتصديق وعلموا من عظمة الله وجلاله قدر نعم الله على خلقه وعدم قيام الخلق بحقوق نعمه عليهم إما عجزا وإما جهلا وإما تفريطا وإضاعة واما تقصيرا في المقدور من الشكر ولو من بعض الوجوه فإن حقه على أهل
(٥٠٩)