شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٤٩٢
معه الفعل والترك وهذه هي التي يتعلق بها الأمر والنهي وهذه تحصل للمطيع والعاصي وتكون قبل الفعل وهذه تبقى إلى حين الفعل إما بنفسها عند من يقول ببقاء الاعراض وإما بتجدد أمثالها عند من يقول إن الأعراض لا تبقى زمانين وهذه قد تصلح للضدين وأمر الله مشروط بهذه الطاقة فلا يكلف الله من ليس معه هذه الطاقة وضد هذه العجز كما تقدم وأيضا فالاستطاعة المشروطة في الشرع أخص من الاستطاعة التي يمتنع الفعل مع عدمها فإن الاستطاعة الشرعية قد تكون ما يتصور الفعل مع عدمها وإن لم يعجز عنه فالشارع ييسر على عباده ويريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر وما جعل عليكم في الدين من حرج والمريض قد يستطيع القيام مع زيادة المرض وتأخر برئه فهذا في الشرع غير مستطيع لأجل حصول الضرر عليه وإن كان قد يسمى مستطيعا فالشارع لا ينظر في الاستطاعة الشرعية إلى مجرد إمكان الفعل بل ينظر إلى لوازم ذلك فإن كان الفعل ممكنا مع المفسدة الراجحة لم تكن هذه استطاعة شرعية كالذي يقدر على الحج مع ضرر يلحقه في بدنه أو ماله أو يصلي قائما مع زيادة مرضه أو يصوم الشهرين مع انقطاعه عن معيشته ونحو ذلك فإذا كان الشارع قد اعتبر في المكنة عدم المفسدة الراجحة فكيف يكلف مع العجز ولكن هذه الاستطاعة مع بقائها إلى حين الفعل لا تكفي في وجود الفعل ولو كانت كافية لكان التارك كالفاعل بل لا بد من إحداث إعانة أخرى تقارن مثل جعل الفاعل مريدا فإن الفعل لا يتم إلا بقدرة وإرادة والاستطاعة المقارنة تدخل فيها الإرادة الجازمة بخلاف المشروطة في التكليف فإنه لا يشترط فيها الإرادة فالله تعالى يأمر بالفعل من لا يريده لكن لا يأمر به من لو أراده لعجز عنه وهكذا أمر الناس بعضهم لبعض فالانسان يأمر عبده بما لا يريده
(٤٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 487 488 489 490 491 492 493 494 495 496 497 ... » »»