وقوله تعالى * (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب) * يدل على نقيض هذا القول ومنه قوله الذي رواه عنه رسوله يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا فهذا دل على شيئين أحدهما أنه حرم على نفسه الظلم والممتنع لا يوصف بذلك الثاني أنه أخبر أنه حرمه على نفسه كما أخبر أنه كتب على نفسه الرحمة وهذا يبطل احتجاجهم بأن الظلم لا يكون إلا من مأمور منهي والله ليس كذلك فيقال لهم هو سبحانه كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم وإنما كتب على نفسه وحرم على نفسه ما هو قادر عليه لا ما هو ممتنع عليه وأيضا فإن قوله * (فلا يخاف ظلما ولا هضما) * قد فسره السلف بأن الظلم أن توضع عليه سيئات غيره والهضم أن ينقص من حسناته كما قال تعالى * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * وأيضا فإن الإنسان لا يخاف الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة حتى يأمن من ذلك وأنما يأمن مما يمكن فلما آمنه من الظلم بقوله * (فلا يخاف) * علم أنه ممكن مقدور عليه وكذا قوله * (لا تختصموا لدي) * إلى قوله * (وما أنا بظلام للعبيد) * لم يعن بها نفي ما لا يقدر عليه ولا يمكن منه وإنما نفى ما هو مقدور عليه ممكن وهو أن يجزوا بغير أعمالهم فعلى قول هؤلاء ليس الله منزها عن شيء من الأفعال أصلا ولا مقدسا عن أن يفعله بل كل ممكن فإنه لا ينزه عن فعله بل فعله حسن ولا حقيقة للفعل السوء بل ذلك ممتنع والممتنع لا حقيقة له والقرآن
(٥٠٨)