شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٦٧
إلى غير ذلك من العقائد الإسلامية فإن قيل أكثر أهل الإسلام آخذون بالتقليد قاصرون أو مقصرون في الاستدلال ولم تزل الصحابة ومن بعدهم من الأئمة والخلفاء والعلماء يكتفون منهم بذلك ويجرون عليهم أحكام المسلمين فما وجه هذا الاختلاف وذهاب كثير من العلماء والمجتهدين إلى أنه لا صحة لإيمان المقلدين قلنا ليس الخلاف في هؤلاء الذين نشأوا في ديار الإسلام من الأمصار والقرى والصحاري وتواتر عندهم حال النبي عليه السلام وما أوتي به من المعجزات ولا في الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار فإنهم كلهم من أهل النظر والاستدلال بل فيمن نشأ على شاهق جبل مثلا ولم يتفكر في ملكوت السماوات والأرض فأخبره إنسان بما يفترض عليه اعتقاده فصدقه فيما أخبره بمجرد إخباره من غير تفكر وتدبر وأما ما يحكى عن المعتزلة من أنه لا بد في صحة الإسلام من النظر والاستدلال والاقتدار على تقرير الحجج ودفع الشبهة فبطلانه يكاد يلحق بالضروريات من دين الإسلام والظاهر أن المراد أن ذلك واجب وإن صح الإيمان بدونه فإن أرادوا الواجب على الكفاية فوفاق إذ لا بد في كل صقع ممن يقوم بإقامة الحجج وإزاحة الشبه ومجادلة الخصوم وإن أرادوا الواجب على كل مكلف بحيث لا يسقط بفعل البعض ففيه الخلاف وأما المقلد فقد ذكر بعض من نظر في الكلام وسمع من الإمام أنه لا خلاف في إجراء أحكام الإسلام عليه والاختلاف في كفره راجع إلى أنه هل يعاقب عقاب الكافر فقال الكثيرون نعم لأنه جاهل بالله ورسوله ودينه والجهل بذلك كفر ومثل قوله تعالى * (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) * وقوله صلى الله عليه وسلم من صلى صلاتنا ودخل مسجدنا واستقبل قبلتنا فهو مسلم محمول على الإسلام في حق الأحكام وقال بعض ذوي التحقيق منهم أنه وإن كان جاهلا لكنه مصدق فيجوز أن ينتقص عقابه لذلك قال المبحث السادس الكفر عدم الإيمان عما من شأنه وهذا معنى عدم تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في بعض ما علم مجيئه به بالضرورة والظاهر أن هذا أعم من تكذيبه صلى الله عليه وسلم في شيء مما علم مجيئه به على ما ذكره الإمام الغزالي لشموله الكافر الخالي عن التصديق والتكذيب واعتذار الإمام الرازي بأن من جملة ما جاء به النبي أن تصديقه واجب في كل ما جاء به فمن لم يصدقه فقد كذبه في ذلك ضعيف لظهور المنع فإن قيل من استخف بالشرع أو الشارع أوألقى المصحف في القاذورات أو شد الزنار بالاختيار كافر إجماعا وإن كان مصدقا للنبي صلى الله عليه وسلم في جميع ما جاء به وحينئذ يبطل عكس التعريفين وإن جعلت ترك المأمور به أو ارتكاب المنهي عنه علامة التكذيب وعدم التصديق بطل طردهما بغير الكفرة من الفساق قلنا لو سلم اجتماع التصديق المعتبر في الإيمان مع تلك الأمور التي هي كفر وفاقا فيجوز أن يجعل الشارع بعض محظورات الشرع علامة التكذيب
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»