إمام الحرمين إيمان النبي صلى الله عليه وسلم يفضل ما عداه باستمرار تصديقه وعصمة الله إياه من مخامرة الشكوك والتصديق عرض لا يبقى فيقع للنبي صلى الله عليه وسلم متواليا ولغيره على الفترات فثبت للنبي صلى الله عليه وسلم أعداد من الإيمان لا يثبت لغيره إلا بعضها فيكون إيمانه أكثر والزيادة بهذا المعنى مما لا نزاع فيه وما يقال أن حصول المثل إليه بعد انعدام الشيء لا يكون زيادة فيه مدفوع بأن المراد زيادة أعداد حصلت وعدم البقاء لا ينافي ذلك الثاني أن المراد الزيادة بحسب زيادة المؤمن به والصحابة كانوا آمنوا في الجملة وكان يأتي فرض بعد فرض وكانوا يؤمنون بكل فرض خاص وحاصله أن الإيمان واجب إجمالا فيما علم إجمالا وتفصيلا فيما علم تفصيلا والناس متفاوتون في ملاحظة التفاصيل كثرة وقلة فيتفاوت إيمانهم زيادة ونقصانا ولا يختص ذلك بعصر النبي صلى الله عليه وسلم على ما يتوهم الثالث أن المراد زيادة ثمرته وإشراق نوره في القلب فإنه يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي وهذا مما لا خفاء فيه وهذه الوجوه جيدة في التأويل لو ثبت لهم أن التصديق في نفسه لا يقبل التفاوت والكلام فيه قال المبحث الرابع ذهب كثير من السلف وهو المحكي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه والمروي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن الإيمان يدخله الاستثناء فيقال إما مؤمن إن شاء الله تعالى ومنعه الأكثرون وعليه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وأصحابه لأن التصديق أمر معلوم لا تردد فيه عند تحققه ومن تردد في تحققه له لم يكن مؤمنا قطعا وإذا لم يكن للشك والتردد فالأولى أن يترك بل يقال أنا مؤمن حقا دفعا للإيهام وللقائلين بصحته وجوه الأول أنه للتبرك في ذكر الله والتأدب بإحالة الأمور إلى مشيئة الله والتبرؤ عن تزكية النفس والإعجاب بحالها والتردد في العاقبة والمآل وهذا يفيد مجرد الصحة لا إيثار قولهم أنا مؤمن إن شاء الله على أنا مؤمن حقا ولا يدفع ما ذكر من دفع الإيهام ولا يبين وجه اختصاص التأدب ولتبرك بالإيمان دون غيره من الأعمال والطاعات والثاني أن التصديق الإيمان المنوط به النجاة أمر قلبي خفي له معارضات خفية كثيرة من الهوى والشيطان والخذلان فالمرء وإن كان جازما بحصوله لكن لا يأمن أن يشوبه شيء من منافيات النجاة سيما عند ملاحظة تفاصيل الأوامر والنواهي الصعبة المخالفة للهوى والمستلذات من غير علم له بذلك فلذلك يفوض حصوله إلى مشيئة الله وهذا قريب لولا مخالفته لما يدعيه القوم من الإجماع ولما ذكر في الفتاوي من الروايات الثالث وعليه التعويل ما قال إمام الحرمين أن الإيمان ثابت في الحال قطعا من غير شك فيه لكن الإيمان الذي هو علم الفوز وآية النجاة إيمان الموافاة فاعتنى السلف به وقرنوه بالمشيئة ولم يقصدوا الشك في الإيمان الناجز ومعنى الموافاة الإتيان والوصول إلى آخر الحياة وأول منازل الآخرة ولا خفاء في أن الإيمان المنجي والكفر المهلك ما يكون في تلك الحال وإن كان مسبوقا بالضد لا ما ثبت أولا وتغير إلى
(٢٦٣)