شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٢١
يشعر بموتة ثانية وليست إلا بعد إحياء القبر فتكون الآية حجة على المتمسك لا له قلنا المراد بالأولى بالنسبة إلى ما يتوهم في الجنة ويقصد نفيها فإن قيل يجوز ألا يراد الواحد بالعدد بل المتحقق المقابل بهذا المتوهم على ما يتناول موتة الدنيا وموتة القبر قلنا يأباه بناء المرة وتاء الوحدة وكذا قوله تعالى * (وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) * * (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) * ولو كان في القبر إحياء لكانت الإحياآت ثلاثة في الدنيا وفي القبر وفي الحشر وقوله تعالى * (وما أنت بمسمع من في القبور) * ولو كان في القبر إحياء لصح إسماع والجواب أن إثبات الواحد أو اثنين لا ينفي وجود الثاني أو الثالث على أن التعليق بأحد المحالين كاف في المبالغة وإثبات الإماتة والإحياء فكقوله تعالى * (ثم يميتكم ثم يحييكم) * يمكن حمله على جميع ما يقع بعد حياة الدنيا من الإماتة والإحياء في الدنيا وفي القبر والحشر إذ لا دلالة للفعل على المرة لكن ربما يقال أن في لفظ ثم الثانية بعض نبوة عن ذلك ثم الظاهر أن المراد الإماتة في الدنيا والإحياء في الآخرة ولم يتعرض لما في القبر لخفاء أمره وضعف أثره على ما سيجيء فلا يصلح ذكره في معرض الدلالة على ثبوت الألوهية ووجوب الإيمان والتعجب والتعجيب من الكفر وأما في قولهم * (أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) * فالإماتتان في الدنيا وفي القبر وكذا الإحياآن وترك ما في الآخرة لأنه معاين وقيل بل ما في القبر وما في الحشر لأن المراد إحياء تعقبه معرفة ضرورية بالله واعتراف بالذنوب وأما قوله تعالى * (وما أنت بمسمع من في القبور) * فتمثيل لحال الكفرة بحال الموتى ولا نزاع في أن الميت لا يسمع وأما العقل فلأن اللذة والألم والمسئلة والتكلم ونحو ذلك لا يتصور بدون العلم والحياة ولا حياة مع فساد البنية وبطلان المزاج ولو سلم فإنا نرى الميت أو المقتول أو المصلوب يبقى مدة من غير تحرك وتكلم ولا أثر تلذذ أو تألم وربما يدفن في صندوق أو لحد ضيق لا يتصور فيه جلوسه على ما ورد في الخبر وربما يذر على صدره كف من الذرة فترى باقية على حالها بل ربما يأكله السباع أو تحرقه النار فيصير رمادا تذروه الرياح في المشارق والمغارب فكيف يعقل حياته وعذابه وسؤاله وجوابه وتجويز ذلك سفسطة وليس بأبعد من تجويز حياة سرير الميت وكلامه وتعذيب خشبة المصلوب واحتراقها ونحن نراها بحالها والجواب إجمالا أن جميع ما ذكرتم استبعادات لا تنفي الإمكان كسائر خوارق العادات وإذ قد أخبر الصادق بها لزم التصديق وتفصيلا أنا لا نسلم اشتراط الحياة بالبنية ولو سلم فيجوز أن يبقى من الأجزاء قدر ما يصلح بنية والتعذيب والمسئلة يجوز أن يكون للروح الذي هو أجسام لطيفة أو للأجزاء الأصلية الباقية فلا يمتنع أن لا يشاهده الناظر ولا أن يخفيه الله تعالى عن الإنس والجن لحكمة لا اطلاع لنا عليها ولا أن يتحقق مع كون الميت في بطون السباع ومن قال بالقادر المختار المحيي المميت لا يستبعد توسيع اللحد
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»