* (وبرزت الجحيم للغاوين) * وحملها على التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي مبالغة في تحققه مثل * (ونفخ في الصور) * * (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار) * خلاف الظاهر فلا يعدل إليه بدون قرينة تمسك المنكرون بوجوه الأول أن خلقهما قبل يوم الجزاء عبث لا يليق بالحكيم وضعفه ظاهر الثاني أنهما لو خلقتا لهلكتا لقوله تعالى * (كل شيء هالك إلا وجهه) * واللازم باطل للإجماع على دوامهما وللنصوص الشاهدة بدوام أكل الجنة وظلها وأجيب بتخصيصها من آية الهلاك جمعا بين الأدلة ويحمل الهلاك على غير الفناء كما مر وبأن الدوام المجمع عليه هو أنه لا انقطاع لبقائهما ولا انتهاء لوجودهما بحيث لا يبقيان على العدم زمانا يعتد به كما في دوام المأكول فإنه على التجدد والانقضاء قطعا وهذا لا ينافي فناء لحظة الثالث أنهما لو وجدتا الآن فإما في هذا العالم أو في عالم آخر وكلاهما باطل أما الأول فلأنه لا يتصور في أفلاكه لامتناع الحرق والالتيام عليها وحصول العنصريات فيها وهبوط آدم منها ولا في عنصرياته لأنها لا تسع جنة عرضها كعرض السماء والأرض ولأنه لا معنى للتناسخ إلا عود الأرواح إلى الأبدان مع بقائها في عالم العناصر وأما الثاني فلأنه لا بد في ذلك العالم أيضا من جهات مختلفة إنما تتحد بالمحيط والمركز فيكون كريا فلا يلاقي هذا العالم إلا بنقطة فيلزم بين العالمين خلاء وقد تبين استحالته ولأنه يشتمل لا محالة على عناصر لها فيه أحياز طبيعية فيكون لعنصر واحد حيزان طبيعيان ويلزم سكون كل عنصر في حيزه الذي في ذلك العالم لكونه طبيعيا له وحركته عنه إلى حيزه الذي في هذا العالم لكونه خارجا عنه واجتماع الحركة والسكون محال وإن لم يلزم الحركة والسكون فلا أقل من لزوم الميل إليه وعنه ولأنه لا محالة يكون في جهة من محدد هذا العالم والمحدد في جهة منه فيلزم تحدد الجهة قبله لا به مع لزوم الترجح بلا مرجح لاستواء الجهات والجواب أن مبني ذلك على أصول فلسفية غير مسلمة عندنا كاستحالة الخلاء وامتناع الخرق والالتيام ونفي القادر المختار الذي بقدرته وإرادته تحديد الجهات وترجيح المتساويات إلى غير ذلك من المقدمات على أن ما ادعوا تحدده بالمحيط والمركز إنما هو من جهة العلو والسفل لا غير ودليلهم على امتناع الخرق إنما قام في المحدد لا غير وكون العالمين في محيط منهما بمنزلة تدويرين في ثخن فلك لا يستلزم الخلاء ولا يمتنع كون عناصر العالمين مختلفة الطبايع ولا كون تحيزهما في أحد العالمين غير طبيعي وليس التناسخ عود الأرواح إلى أبدانها بل تعلقها ببدن آخر في هذا العالم لا يقال هذا الدليل لا يليق بالقائلين بوجود الجنة والنار يوم الجزاء لأنه على تقدير تمامه ينفي وجود جنة يدخلها الناس ويوجد فيها العنصريات لابتناء ذلك على خرق الأفلاك لأنا نقول على تقدير افناء هذا العالم بالكلية وإيجاد عالم آخر فيه الجنة والنار والإنسان وسائر العنصريات لا يلزم الخرق ولا غيره من المحالات فلذا خص هذا الدليل بنفي الجنة
(٢١٩)