شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٠٣
وأدوم لعدم تخلل الشواغل وأقوم لسلامتها عن مخالطة المعاصي المنقصة للثواب وعلومهم أكمل وأكثر لكونهم نورانيين روحانيين يشاهدون اللوح المحفوظ المنتقش بالكائنات وأسرار المغيبات والجواب أن هذا لا يمنع كون أعمال الأنبياء وعلومهم أفضل وأكثر ثوابا لجهات آخر كقهر المضاد والمنافي وتحمل المتاعب والمشاق ونحو ذلك على ما مر قال المبحث الثامن الولي هو العارف بالله تعالى وصفاته المواظب على الطاعات المجتنب عن المعاصي المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات وكرامته ظهور أمر خارق للعادة من قبله غير مقارن لدعوى النبوة وبهذا يمتاز عن المعجزة وبمقارنة الاعتقاد والعمل الصالح والتزام متابعة النبي عن الاستدراج وعن مؤكدات تكذيب الكذابين كما روي أن مسيلمة دعا لأعور أن تصير عينه العوراء صحيحة فصارت عينه الصحيحة عوراء ويسمى هذا إهانة وقد تظهر الخوارق من قبل عوام المسلمين تخليصا لهم من المحن والمكاره وتسمى معونة فلذا قالوا أن الخوارق أنواع أربعة معجزة وكرامة ومعونة وإهانة وذهب جمهور المسلمين إلى جواز كرامة الأولياء ومنعه أكثر المعتزلة والأستاذ أبو إسحق يميل إلى قريب من مذهبهم كذا قال إمام الحرمين ثم المجوزون ذهب بعضهم إلى امتناع كون الكرامة بقصد واختيار من الولي وبعضهم إلى امتناع كونها على قضية الدعوى حتى لو ادعى الولي الولاية واعتقد بخوارق العادات لم يجز ولم يقع بل ربما يسقط عن مرتبة الولاية وبعضهم إلى امتناع كونها من جنس ما وقع معجزة لنبي كانفلاق البحر وانقلاب العصا وإحياء الموتى قالوا وبهذه الجهات تمتاز عن المعجزات وقال الإمام هذه الطرق غير سديدة والمرضى عندنا تجويز جملة خوارق العادات في معرض الكرامات وإنما تمتاز عن المعجزات بخلوها عن دعوى النبوة حتى لو ادعى الولي النبوة صار عدوا لله لا يستحق الكرامة بل اللعنة والإهانة فإن قيل هذ الجواز مناف للإعجاز إذ من شرطه عدم تمكن الغير من الإتيان بالمثل بل مفض إلى تكذيب النبي حيث يدعى عند التحدي أنه لا يأتي أحد بمثل ما أتيت به قلنا المنافي هو الإتيان بالمثل على سبيل المعارضة ودعوى النبي أنه لا يأتي بمثل ما أتيت به أحد من المتحدين لا أنه لا يظهر مثله كرامة لولي أو معجزة لنبي آخر نعم قد يرد في بعض المعجزات نص قاطع على أن أحدا لا يأتي بمثله أصلا كالقرآن وهو لا ينافي الحكم بأن كل ما وقع معجزة لنبي يجوز أن يقع كرامة لولي لنا على الجواز ما مر في المعجزة من إمكان الأمر في نفسه وشمول قدرة الله تعالى وذلك كالملك يصدق رسوله ببعض ما ليس من عادته ثم يفعل مثل ذلك إكراما لبعض أوليائه وعلى الوقوع وجهان الأول ما ثبت بالنص من قصة مريم عند ولادة عيسى عليه السلام وأنه كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزما قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله وقصة أصحاب الكهف ونومهم في الكهف سنين بلا طعام وشراب وقصة آصف وإتيانه بعرش
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 203 204 205 206 207 208 ... » »»