شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٠٧
فيما كانت من سحر لبيد بن أعصم اليهودي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مرض ثلاث ليال ومنها ما روى أن جارية سحرت عائشة رضي الله تعالى عنها وأنه سحر ابن عمر رضي الله تعالى عنه فتكوعت يده فإن قيل لو صح السحر لأضرت السحرة بجميع الأنبياء والصالحين ولحصلوا لأنفسهم الملك العظيم وكيف يصح أن يسحر النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى والله يعصمك من الناس ولا يفلح الساحر حيث أتى وكان الكفرة يعيبون النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مسحور مع القطع بأنهم كاذبون قلنا ليس الساحر يوجد في كل عصر وزمان وبكل قطر ومكان ولا ينفذ حكمه كل أوان ولا له يد في كل شان والنبي معصوم من أن يهلكه الناس أو يوقع خللا في نبوته لا أن يوصل ضررا وألما إلى بدنه ومراد الكفار بكونه مسحورا أنه مجنون أزيل عقله بالسحر حيث ترك دينهم فإن قيل قوله تعالى في قصة موسى صلى الله تعالى عليه وسلم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى يدل على أنه لا حقيقة للسحر وإنما هو تخيل وتمويه قلنا يجوز أن يكون سحرهم هو إيقاع ذلك التخييل وقد تحقق ولو سلم فيكون أثره في تلك الصورة هو التحييل لا يدل على أنه لا حقيقة له أصلا وأما الإصابة بالعين وهو أن يكون لبعض النفوس خاصية أنها إذا استحسنت شيئا لحقته الآفة فثبوتها يكاد يجري مجرى المشاهدات التي لا تفتقر إلى حجة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم العين حق وقال العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر وذهب كثير من المفسرين إلى أن قوله تعالى * (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم) * الآية نزل في ذلك وقالوا إن كان العين في بني أسد وكان الرجل منهم يتجوع ثلاثة أيام فلا يمر به شيء يقول فيه لم أر كاليوم الإعانة فالتمس الكفار من بعض من كانت له هذه الصفة أن يقول في رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فعصمه الله واعترض الجبائي بأن القوم ما كانوا ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم نظراستحسان بل مقت وبغض والجواب أنهم كانوا يستحسنون منه الفصاحة وكثيرا من الصفات وإن كانوا يبغضونه من جهة الدين ثم للقائلين بالسحر والعين اختلاف في جواز الاستعانة بالرقى والعوذ وفي جواز تعليق التمايم وفي جواز النفث والمسح ولكل من الطرفين أخبار وآثار والجواز هو الأرجح والمسئلة بالفقهيات أشبه ولله علم قال الفصل الثاني في المعاد وفيه مباحث وهو مصدر أو مكان وحقيقة العود توجه الشيء إلى ما كان عليه والمراد ههنا الرجوع إلى الوجود بعد الفناء أو رجوع أجزاء البدن إلى الاجتماع بعد التفرق وإلى الحياة بعد الموت والأرواح إلى الأبدان بعد المفارقة وأما المعاد الروحاني المحض على ما يراه الفلاسفة فمعناه رجوع الأرواح إلى ما كانت عليه من التجرد عن علاقة البدن واستعمال الآلات أو التبرىء عما ابتليت به من الظلمات قال المبحث الأول كثير من مباحث المتكلمين يرى في الظاهر أجنبية عن العلم بالعقائد الدينية ويعلم عند تحقيق المقاصد
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»