وصفات تلائم الاستخلاف إذ التعجب إنما يكون عند ذلك ولذا قال في الرد عليهم * (إني أعلم ما لا تعلمون) * إشارة إلى تلك الحكم والمصالح لا يقال ففيه دلالة على نفي العصمة بإثبات الكذب في الجملة لأنا نقول هذا القدر من الخطأ والسهو لا ينافي العصمة ولا يوجب المعصية الثالث قصة هاروت وماروت ملكين ببابل يعذبان لارتكابهما السحر والجواب منع ارتكابهما العمل بالسحر واعتقاد تأثيره بل انزل الله تعالى عليهما السحر ابتلاء للناس فمن تعلمه وعمل به فكافر ومن تجنبه أو تعلمه ليتوقاه ولا يغتر به فهو مؤمن وهما كانا يعظان الناس ويقولان إنما نحن فتنة للناس وابتلاء فلا تكفروا أي لا تعتقدوا ولا تعملوا فإن ذلك كفر وتعذيبهما إنما هو على وجه المعاتبة كما تعاتب الأنبياء على السهو والزلة من غير ارتكاب منهما لكبيرة فضلا عن كفر واعتقاد سحر أو عمل به واليهود هم الذين يدعون أن الواحد من الملك قد يرتكب الكبيرة فيعاقبه الله بالمسخ وأما المقام الثاني فذهب جمهور أصحابنا والشيعة إلى أن الأنبياء أفضل من الملائكة خلافا للمعتزلة والقاضي وأبي عبد الله الحليمي منا وصرح بعض أصحابنا بأن عوام البشر من المؤمنين أفضل من عوام الملائكة وخواص الملائكة أفضل من عوام البشر أي غير الأنبياء لنا وجوه نقلية وعقلية الأول أن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم والحكيم لا يأمر بسجود الأفضل للأدنى وإباء إبليس واستكباره والتعليل بأنه خير من آدم لكونه من نار وآدم من طين يدل على أن المأمور به كان سجود تكرمة وتعظيم لا سجود تحية وزيارة ولا سجود الأعلى للأدنى إعظاما له ورفعا له لمنزلته وهضما لنفوس الساجدين الثاني أن آدم أنبأهم بالأسماء وبما علم الله من الخصائص والمعلم أفضل من المتعلم وسوق الآية ينادي على أن الغرض إظهار ما خفي عليهم من أفضلية آدم ودفع ما توهموا فيه من النقصان ولذا قال الله تعالى * (ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض) * وبهذا يندفع ما يقال أن لهم أيضا علوما جمة أضعاف العلم بالأسماء لما شاهدوا من اللوح وحصلوا في الأزمنة المتطاولة بالتجارب والأنظار المتوالية الثالث قوله تعالى * (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) *) وقد خص من آل إبراهيم وآل عمران غير الأنبياء بدليل الإجماع فيكون آدم ونوح وجميع الأنبياء مصطفين على العالمين الذين منهم الملائكة إذ لا مخصص للملائكة عن العالمين ولا جهة لتفسيره بالكثير من المخلوقات الرابع أن للبشر شواغل عن الطاعات العلمية والعملية كالشهوة والغضب وسائر الحاجات الشاغلة والموانع الخارجة والداخلة فالمواظبة على العبادات وتحصيل الكمالات بالقهر والغلبة على ما يضاد القوة العاقلة يكون أشق وأفضل وأبلغ في استحقاق الثواب ولا معنى للأفضلية سوى زيادة استحقاق الثواب والكرامة لا يقال لو سلم انتفاء الشهوة والغضب وسائر الشواغل في حق الملائكة فالعبادة مع كثرة المتاعب والشواغل إنما تكون أشق
(٢٠٠)