بلقيس قبل ارتداد الطرف فإن قيل كان الأول إرهاصا لنبوة عيسى أو معجزة لزكريا والثاني لمن كان نبيا في زمن أصحاب الكهف والثالث لسليمان صلى الله عليه وسلم قلنا سياق القصص يدل على أن ذلك لم يكن لقصد تصديقهم في دعوى النبوة بل لم يكن لزكريا علم بذلك ولذا سأل ونحن لا ندعي إلا جواز ظهور الخوارق من بعض الصالحين غير مقرونة بدعوى النبوة ولا مسوقة لقصد تصديق نبي ولا يضرنا تسميته إرهاصا أو معجزة لنبي هو من أمته على أن ما ذكرتم يرد على كثير من معجزات الأنبياء لجواز أن يكون معجزة لنبي آخر والثاني ما تواتر معناه وإن كانت التفاصيل آحادا من كرامات الصحابة والتابعين ومن أبعدهم من الصالحين كرؤية عمر رضي الله عنه على المنبر جيشه بنهاوند حتى قال يا سارية الجبل الجبل وسمع سارية ذلك وكشرب خالد رضي الله تعالى عنه السم من غير أن يضر به وإما من علي رضي الله تعالى عنه فأكثر من أن تحصى وبالجملة وظهور كرامات الأولياء يكاد يلحق بظهور معجزات الأنبياء وإنكارها ليس بعجيب من أهل البدع والأهواء إذ لم يشاهدوا ذلك من أنفسهم قط ولم يسمعوا به من رؤسائهم الذين يزعمون أنهم على شيء مع اجتهادهم في أمور العبادات واجتناب السيئات فوقعوا في أولياء الله تعالى أصحاب الكرامات يمزقون أديمهم ويمضغون لحومهم لا يسمونهم إلا باسم الجهلة المتصوفة ولا يعدونهم إلا في عداد آحاد المبتدعة قاعدين تحت المثل السائر أوسعتهم سبا وأوردوا بالإبل ولم يعرفوا أن مبنى هذا الأمر على صفاء العقيدة ونقاء السريرة واقتفاء الطريقة واصطفاء الحقيقة وإنما العجب من بعض فقهاء أهل السنة حيث قال فيما روي عن إبراهيم بن أدهم أنهم رأوه بالبصرة يوم التروية وفي ذلك اليوم بمكة أن من اعتقد جواز ذلك يكفر والإنصاف ما ذكره الإمام النسفي حين سئل عما يحكى أن الكعبة كانت تزور واحدا من الأولياء هل يجوز القول به فقال نقض العادة على سبيل الكرامة لأهل الولاية جائز عند أهل السنة وللمخالف وجوه الأول وهو العمدة أنه لو ظهرت الخوارق من الولي لالتبس النبي بغيره إذ الفارق هو المعجزة ورد بما مر من الفرق بين المعجزة والكرامة الثاني أنها لو ظهرت لكثرت كثرة الأولياء وخرجت عن كونها خارقة للعادة هق ورد بالمنع بل غايته استمرار نقض العادة الثالث لو ظهرت لا لغرض التصديق لانسد باب إثبات النبوة بالمعجزة لجواز أن يكون ما يظهر من النبي لغرض آخر غير التصديق ورد بما مر من أنها عند مقارنة الدعوى تفيد التصديق قطعا الرابع أن مشاركة الأولياء للأنبياء في ظهور الخوارق تخل بعظم قدر الأنبياء ووقعهم في النفوس ورد بالمنع بل يزيد في جلالة أقدارهم والرغبة في اتباعهم حيث نالت أممهم وأتباعهم مثل هذه الدرجة ببركة الاقتداء بشريعتهم والاستقامة على طريقتهم الخامس وهو في الإخبار عن المغيبات قوله تعالى * (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من) *
(٢٠٤)