شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٠٦
الولاية أعني التصرف في الخلق بالحق فإن الأولياء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم حملة تصرف ولايته بهم يتصرف في الخلق بالحق إلى قيام الساعة ولهذا كانت علامتهم المتابعة إذ ليس الولي إلا مظهر تصرف النبي وإما بطلان القول بسقوط الأمر والنهي فلعموم الخطابات ولأن أكمل الناس في المحبة والإخلاص هم الأنبياء سيما حبيب الله مع أن التكاليف في حقهم أتم وأكمل حتى يعاتبون بأدنى زلة بل بترك الأفضل نعم حكي عن بعض الأولياء أنه استعفى الله عن التكاليف وسأله الإعتاق عن ظواهر العبادات فأجابه إلى ذلك بأن سلبه العقل الذي هو مناط التكليف ومع ذلك كان من علو المرتبة على ما كان وأنت خبير بأن العارف لا يسأم من العبادة ولا يفتر في الطاعة ولا يسأل الهبوط من أوج الكمال إلى حضيص النقصان والنزول من معارج الملك إلى منازل الحيوان بل ربما يحصل له كمال الانجذاب إلى عالم القدس والاستغراق في ملاحظة جناب الحق بحيث يذهل عن هذا العالم ويخل بالتكاليف من غير تأثم بذلك لكونه في حكم غير المكلف كالنائم وذلك لعجزه عن مراعاة الأمرين وملاحظة الجانبين فربما يسأل دوام تلك الحالة وعدم العود إلى عالم الظاهر وهذا الذهول هو الجنون الذي ربما يترجح على بعض العقول والمتسمون به هم المسمون بمجانين العقلاء وبهذا يظهر فضل الأنبياء على الأولياء فإنهم مع أن استغراقهم أكمل وانجذابهم أشمل لا يخلون بأدنى طاعة ولا يذهلون من هذا الجانب ساعة لأن قوتهم القدسية من الكمال بحيث لا يشغلها شاغل عن ذلك الجناب ولهذا ينعى عليهم أدنى زلة عن منهج الصواب قال المبحث التاسع السحر إظهار أمر خارق للعادة من نفس شريرة خبيثة بمباشرة أعمال مخصوصة يجري فيها التعلم والتلمذ وبهذين الاعتبارين يفارق المعجزة والكرامة وبأنه لا يكون بحسب اقتراح المقترحين وبأنه يختص ببعض الأزمنة أو الأمكنة أو الشرائط وبأنه قد يتصدى بمعارضته وببذل الجهد في الإتيان بمثله وبأن صاحبه ربما يعلن بالفسق ويتصف بالرجس في الظاهر والباطن والخزي في الدنيا والآخرة إلى غير ذلك من وجوه المفارقة وهو عند أهل الحق جائز عقلا ثابت سمعا وكذلك الإصابة بالعين وقالت المعتزلة بل هو مجرد إراءة ما لا حقيقة له بمنزلة الشعبذة التي سببها خفة حركات اليد أو إخفاء وجه الحيلة فيه لنا على الجواز ما مر في الإعجاز من إمكان الأمر في نفسه وشمول قدرة الله تعالى فإنه هو الخالق وإنما الساحر فاعل وكاسب وأيضا إجماع الفقهاء وإنما اختلفوا في الحكم وعلى الوقوع وجوه منها قوله تعالى * (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) * إلى قوله * (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) * وفيه إشعار بأنه ثابت حقيقة ليس مجرد إراءة وتمويه وبأن المؤثر والخالق هو الله وحده ومنها سورة الفلق فقد اتفق جمهور المسلمين على أنها نزلت
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»