شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٠٨
الأصلية أنها نافعة في إيراد الحجج عليها أو دفع الشبه عنها وذلك كإعادة المعدوم وثبوت الجزء والخلاء وصحة الفناء على العالم وجواز الخرق على الأفلاك وعدم اشتراط الحياة بالبنية وعدم لزوم تناهي القوى الجسمانية ونحو ذلك في إثبات الحشر وعذاب القبر والخلود في الجنة أو النار وغير ذلك على اختلاف الآراء وإنما آخر بحث إعادة المعدوم خاصة إلى ههنا لمالها من زيادة الاختصاص بأمر المعاد حيث لا يفتقر إليها إلا في إثبات المعاد بطريق الوجود بعد الفناء اتفق جمهور المتكلمين على جوازها والحكماء على امتناعها وأما المعتزلة فذهب غير البصري إلى جواز إعادة الجواهر لكن بناء على بقاء ذواتها في العدم حتى لو بطلت لاستحالت إعادتها واختلفوا في الأعراض فقال بعضهم يمتنع إعادتها مطلقا لأن المعاد إنما يعاد معنى فيلزم قيام المعنى بالمعنى وإلى هذا ذهب بعض أصحابنا وقال الأكثرون منهم بامتناع إعادة الأعراض التي لا تبقى كالأصوات والإرادات لاختصاصها عندهم بالأوقات وقسموا الباقية إلى ما يكون مقدورا للعبد وحكموا بأنه لا يجوز إعادتها لا للعبد ولا للرب وإلى مالا يكون مقدورا للعبد وجوزوا إعادتها لنا إقناعا أن الأصل فيما لا دليل وجه على وجوبه وامتناعه هو الإمكان على ما قالت الحكماء أن كل ما قرع سمعك من الغرايب فذره في بقعة الإمكان ما لم يدل عليه قائم البرهان فمن ادعى عدم إعادة المعدوم فعليه الدليل وإلزاما أن المعاد مثل المبدأ بل عينه لأن الكلام في إعادة المعدوم بعينه ويستحيل كون الشيء ممكنا في وقت ممتنعا في وقت للقطع بأنه لا أثر للأوقات فيما هو بالذات وعلى هذا لا يرد ما يقال أن العود وهو الوجود ثانيا أخص من مطلق الوجود ولا يلزم من إمكان الأعم إمكان الأخص وقريب من هذا ما يقال أن المعدوم الممكن قابل للوجود ضرورة استحالة الانقلاب فالوجود الأول إن إفادة زيادة استعداد لقبول الوجود على ما هو شأن سائرالقوابل بناء على اكتساب ملكة الاتصاف بالفعل فقد صار قابليته للوجود ثانيا أقرب وإعادته على الفاعل أهون ويشبه أن يكون هذا هو الحق والمراد بقوله تعالى * (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده) * وهو أهون عليه وإن لم يفده زيادة الاستعداد فمعلوم بالضرورة أنه لا ينقص عما هو عليه بالذات من قابلية الوجود في جميع الأوقات هذا ولكن الأقرب أن تحمل الإعادة التي جعلت أهون على إعادة الأجزاء وما تفتتت من المواد إلى ما كانت عليه من الصور والتأليفات على ما يشير إليه قوله تعالى * (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) * لا على إعادة المعدوم لأنه لم يبق هناك القابل والمستعد فضلا عن الاستعداد القائم به فإن قيل ما معنى كون الإعادة أهون على الله تعالى وقدرته قديمة لا تتفاوت المقدورات بالنسبة إليها قلنا كون الفعل أهون تارة يكون من جهة الفاعل بزيادة شرايط الفاعلية وتارة من جهة القابل بزيادة استعدادات القبول وهذا هو المراد ههنا وأما من جهة قدرة الفاعل فالكل على السواء لا يقال غاية ما ذكرتم أن المعدوم ممكن الوجود في الزمان الثاني
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»