شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٩٧
كل واحدة تأتي بفارس مجاهد في سبيل الله ولم يقل إنشاء الله فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد له عين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فألقته القابلة على كرسيه وأما ما روي عن حديث الحاتم والشيطان وعبادة الوثن في بيته وجلوس الشيطان على كرسيه فعلى تقدير صحته يجوز أن يكون اتخاذ التماثيل غير محرم في شريعته وعبادة التماثيل في بيته غير معلوم له وثالثها ما يشعر به قوله تعالى * (وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) * من الحسد وعدم إرادة الخير للغير والجواب أن ذلك لم يكن حسدا بل طلبا للمعجزة على وفق ما غلب في زمانه ولاق بحاله فإنهم كانوا يفتخرون في ذلك العهد بالملك والجاه وهو كان ناشيا في بيت الملك والنبوة ووارثا لهما أو إظهارا لإمكان طاعة الله وعبادته مع هذا الملك العظيم وقيل أراد ملكا لا يورث مني وهو ملك الدين لا الدنيا أو ملكا لا أسلبه ولا يقوم فيه غيري مقامي كما وقع ذلك مرة وقيل ملكا خفيا لا ينبغي للناس وهي القناعة وقيل كان ملكه عظيما فخاف أن لا يقوم غيره بشكره ولا يحافظ فيه على حدود الله وأما في قصة يونس مما يشعر به قوله تعالى * (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه) * فالجواب أن المغاضبة على الكفار المعاندين لا على الله تعالى ومعنى أن لن نقدر لن نضيق عليه كما في قوله تعالى * (فقدر عليه رزقه) * فلا يوجب شكا في القدرة ومعنى الظلم في قوله * (إني كنت من الظالمين) * ترك الأفضل وهو الصبر وهذا معنى قوله تعالى * (ولا تكن كصاحب الحوت) * أي في ترك الصبر على معاندة الكفار وأما في حق نبينا فمثل * (واستغفر لذنبك) * و * (لقد تاب الله على النبي) * و * (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك) * فمحمول على ما فرط منه من الزلة وترك الأفضل وقوله تعالى * (ووجدك ضالا فهدى) * معناه فقدان الشرايع والأحكام وقيل أنه ضل في صباه في بعض شعاب مكة فرده أبو جهل إلى عبد المطلب وقيل ضل في طريق الشام حين خرج به أبو طالب وبالجملة لا دلالة على العصيان والميل عن طريق الحق ولذا قال * (ما ضل صاحبكم وما غوى) * وقوله * (ووضعنا عنك وزرك) * مثل لما كان يثقل عليه ويغمه من فرطاته قبل النبوة أو من جهله بالشرايع والأحكام أو من تهالكه على إسلام أولي العناد وتلهفه وقوله * (عفا الله عنك لم أذنت لهم) * تلطف في الخطاب وعتاب على ترك الأفضل وإرشاد إلى الاحتياط في تدبير الخيرات وقوله * (ما كان لنبي أن يكون له أسرى) * إلى قوله * (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) * عتاب على ترك الأفضل وهو أن لا يرضى باختيار الصحابة الفداء وكذا الكلام في قوله * (لم تحرم ما أحل الله لك) * وقوله تعالى * (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) * وما روي من أنه قرأ بعد قوله * (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) * (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتها لترتجى) فلما أخبره جبرئيل بما وقع منه حزن وخاف خوفا شديدا فنزل قوله تعالى * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) * تسلية له فالجواب أنه كان من إلقاء الشيطان لا تعمدا منه وقيل بل
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 203 ... » »»