شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٠٥
ارتضى من رسول) خص الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب فلا يطلع غيرهم وإن كانوا أولياء مرتضين فما يشاهد من الكهنة إلقاء الجن والشياطين ومن أصحاب التعبير والنجوم ظنون واستدلالات ربما تقع وربما لا تقع ليس من اطلاع الله تعالى في شيء والجواب أن الغيب ههنا ليس للعموم بل مطلق أو معين هو وقت وقوع القيمة بقرينة السياق ولا يبعد أن يطلع عليه بعض الرسل من الملائكة أو البشر فيصح الاستثناء وإن جعل منقطعا فلا خفاء بل لا امتناع حينئذ في جعل الغيب للعموم لكون اسم الجنس المضاف بمنزلة المعرف باللام سيما وقد كان في الأصل مصدرا ويكون الكلام لسلب العموم أي لا يطلع على كل غيبه أحد أو هو لا ينافي اطلاع البعض على البعض وكذا لا إشكال إن خص الاطلاع بطريق الوحي وبالجملة فالاستدلال مبني على أن الكلام لعموم السلب أي لا يطلع على شيء من غيبه أحدا من الأفراد نوعا من الاطلاع وذلك ليس بلازم قال خاتمة حكي عن بعض الكرامية أن الولي قد يبلغ درجة النبي بل أعلى وعن بعض الصوفية أن الولاية أفضل من النبوة لأنها تنبىء عن القرب والكرامة كما هو شأن خواص الملك والمقربين منه والنبوة عن الإنباء والتبليغ كما هو حال من أرسله الملك إلى الرعايا لتبليغ أحكامه إلا أن الولي لا يبلغ درجة النبي لأن النبوة لا تكون بدون الولاية وعن أهل الإباحة والإلحاد أن الولي إذا بلغ الغاية في المحبة وصفاء القلب وكمال الإخلاص سقط عنه الأمر والنهي ولم يضره الذنب ولا يدخل النار بارتكاب الكبيرة والكل فاسد بإجماع المسلمين والأول خاصة بأن النبي مع ماله من شرف الولاية معصوم عن المعاصي مأمون عن سوء العاقبة بحكم النصوص القاطعة مشرف بالوحي ومشاهدة الملك مبعوث لإصلاح حال العالم ونظام أمر المعاش والمعاد إلى غير ذلك من الكمالات والثاني بأن النبوة تنبىء عن البعثة والتبليغ من الحق إلى الخلق ففيها ملاحظة للجانبين ويتضمن قرب الولاية وشرفها لا محالة فلا تقصر عن مرتبة ولاية غير الأنبياء لأنها لا تكون على غاية الكمال لأن علامة ذلك نيل مرتبة النبوة نعم قد يقع تردد في أن نبوة النبي أفضل أم ولايته فمن قائل بالأول لما في النبوة من معنى الوساطة بين الجانبين والقيام بمصالح الخلق في الدارين مع شرف مشاهدة الملك ومن مائل إلى الثاني لما في الولاية من معنى القرب والاختصاص الذي يكون في النبي في غاية الكمال بخلاف ولاية غير النبي وفي كلام بعض العرفاء أن ما قيل الولاية أفضل من النبوة لا يصح مطلقا وليس من الأدب إطلاق القول به بل لا بد من التقييد وهو أن ولاية النبي أفضل من نبوته لأن نبوة التشريع متعلقة بمصلحة الوقت والولاية لا تعلق لها بوقت دون وقت بل قام سلطانها إلى قيام الساعة بخلاف النبوة فإنها مختومة بمحمد صلى الله عليه وسلم من حيث ظاهرها الذي هو الإنباء وإن كانت دائمة من حيث باطنها الذي هو
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»