شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢١٤
والهيئات فإن قيل الآيات الواردة في باب الحشر من مثل * (من يحيي العظام وهي رميم) * * (أئذا متنا وكنا ترابا) * * (إذا مزقتم كل ممزق) * * (إنكم لفي خلق جديد) * تشعر بأن الأصلية وغير الأصلية ومتنازع المحق والمبطل ومتوارد الإثبات والنفي هي إعادة الأجزاء بأسرها إلى الحياة لا الأصلية وحدها ولا إعادة المعدوم بعينه قلنا ومن الآيات ما هو مسوق لنفس الإعادة مثل * (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده) * * (فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة) * وكان المنكرين استبعدوا إحياء ما كانوا يشاهدون من الرميم والتراب فأزيل استبعادهم بتذكير ابتداء الفطرة والتنبيه على كمال العلم والقدرة وأما حديث إعادة المعدوم والأجزاء الأصلية فلعله لم يخطر ببالهم الثالث أن الإعادة لا لغرض عبث لا يليق بالحكيم ولغرض عائد إلى الله تعالى نقص يجب تنزيهه عنه ولغرض عائد إلى العباد أيضا باطل لأنه إما إيصال ألم وهو لا يليق بالحكيم وإما إيصال لذة ولا لذة في الموجود سيما في عالم الحس فكل ما يتخيل لذة فإنما هو خلاص عن الألم ولا ألم في العدم أو الموت ليكون الخلاص عنه لذة مقصودة بالإعادة بل إنما يتصور ذلك بأن يوصل إليه ألما ثم يخلصه عنه فتكون اإلإعادة لإيصال ألم يعقبه خلاص وهو غير لائق بالحكمة والجواب منع لزوم الفرض وقبح الحلو عنه في فعل الله تعالى ثم منع انحصار الغرض في إيصال اللذة والألم إذ يجوز أن يكون نفس إيصال الجزاء إلى من يستحقه غرضا ثم منع كون اللذة دفعا للألم وخلاصا عنه كيف واللذة والألم من الوجدانيات التي لا يشك العاقل في تحققها وقد سبق تحقيق ذلك ثم منع كون اللذات الأخروية من جنس الدنيوية بحسب الحقيقة ليلزم كونها دفعا للألم وخلاصا عنه قال تنبيه القائلون بالمعاد الروحاني فقط أو به وبالجسماني جميعا هم الذين يقولون بالنفوس الناطقة مجردة باقية لا تفنى بخراب البدن لما سبق من الدلائل ويشهد بذلك نصوص من الكتاب والسنة فلا حاجة للأولين إلى زيادة بيان في إثبات المعاد لأنه عبارة عن عود النفس إلى ما كانت عليه من التجرد أو التبرؤ من ظلمات التعلق وبقائها ملتذة بالكمال أو متألمة بالنقصان ولا للآخرين بعد إثبات حشر الأجساد لأن القول بإحياء البدن مع تعلق نفس أخرى به تدبر أمره وبقاء نفسه معطلة أو متعلقة ببدن آخر غير مقبول عند العقل ولا منقول من أحد كيف ونفسها مناسبة لذلك المزاج آلفة به لم تفارقه إلا لانتفاء قابليته لتصرفاتها فحين عادت القابلية عاد التعلق لا محالة وقد يقال أن قوله تعالى * (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) * * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) * * (ورضوان من الله أكبر) * إشارة إلى المعاد الروحاني وكذا الأحاديث الواردة في حال أرواح المؤمنين وخصوصا الصديقين والشهداء والصالحين وأنها في حواصل طيور خضر في قناديل من نور معلقة تحت العرش وإن كانت ظواهرها مشعرة بأن الأرواح من قبيل الأجسام على ما قال إمام الحرمين أن الأظهر عندنا أن الأرواح أجسام لطيفة مشابكة للأجسام
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»