شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٩٦
بل بإذن الله تعالى ونسبة السرقة إلى الإخوة تورية عما كانوا فعلوا يوسف مما يجري مجرى السرقة أو هو قول المؤذن والسجدة كانت عندهم تحية وتكرمة كالقيام والمصافحة أو كانت مجرد انحناء وتواضع لا وضع جبهة وأما في قصة موسى فقتل القبطي وتوبته عنه واعترافه لكونه من عمل الشيطان فمحمول على أنه كان خطأ وقبل البعثة وإذنه للسحرة في إظهار السحر بقوله * (ألقوا ما أنتم ملقون) * ليس رضاء به بل الغرض إظهار إبطاله أو إظهار معجزته ولا يتم إلا به وقيل لم يكن حراما حينئذ وإلقاء الألواح كان عن دهشة وتخير لشدة غضبه والأخذ برأس هارون وجره إليه لم يكن على سبيل الإيذاء بل كان يدنيه إلى نفسه ليتفحص منه حقيقة الحال فخاف هارون أن يحمله بنوا إسرائيل على الإيذاء ويفضي إلى شماتة الأعداء فلم يثبت بذلك ذنب له ولا لهارون فإنه كان ينهاهم عن عبادة العجل وقوله للخضر * (لقد جئت شيئا نكرا) * أي عجبا وما فعله الخضر كان بإذن الله تعالى وأما في قصة داود عليه السلام فلم يثبت سوى أنه خطب امرأة كان خطبها أوريا فزوجها أولياؤها داود دون أوريا أو سأل أن ينزل عنها فيطلقها وكان ذلك عادة في عهده فكان زلة منه لاستغنائه بتسعة وتسعين والخصمان كانا ملكين أرسلهما الله تعالى إليه لينبهاه فلما تنبه استغفر ربه وخر راكعا وأناب وسياق الآيات يدل على كرامته عند الله تعالى ونزاهته عما ينسبه إليه الحشوية إلا أنه بالغ في التضرع والتحزن والبكاء والاستغفار استعظاما للزلة بالنظر إلى ما له من رفيع المنزلة وتقرير الملكين تمثيل وتصوير للقصة لا إخبار بمضمون الكلام ليلزم الكذب ويحتاج إلى ما قيل أن المتخاصمين كانا لصين دخلا عليه للسرقة فلما رآهما اخترعا الدعوى أو كانا راعيي غنم ظلم أحدهما الآخر والكلام على حقيقته وأما في قصة سليمان فأمور أحدها ما أشير إليه بقوله * (إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد) * الخ وذلك أنه اشتغل باستعراض الأفراس حتى غربت الشمس وغفل عن العصر أو عن ورد كان له وقت العشي فاغتم لذلك واسترد الأفراس فعقرها والجواب أن ذلك كان على سبيل السهو والنسيان وعقر الجياد وضرب أعناقها كان لإظهار الندم وقصد التقرب إلى الله تعالى والتصدق على الفقراء من أحب ماله على أن من المفسرين من قال المراد حبه للجهاد وإعلاء كلمة الله وضمير توارت للجياد لا للشمس وإنما طفق مسحا بالسوق والأعناق تشريفا لها أو امتحانا أو إظهارا لإصلاح آلة الجهاد بنفسه وثانيها ما أشير إليه بقوله * (ولقد فتنا سليمان) * الآية فإن كان ذلك ما روي أنه ولد له ابن فكان يغذوه في السحابة خوفا من أن تقتله الشياطين أو تخبله مما راعه إلى أن ألقي على كرسيه ميتا فتنبه لخطائه في ترك التوكل فاستغفر وأناب فهذا مما لا بأس به وغايته ترك الأولى وليس في التحفظ ومباشرة الأسباب ترك الامتثال لأمر التوكل على ما قال عليه السلام اعقلها وتوكل وكذا ما روي أنه قال لأطوفن الليلة على سبعين امرأة
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»