من عمل الطاعة وارتكب المعصية قلنا العبرة في ذلك بالإدراك وإنما هو للروح ولو بواسطة الآلات وهو باق بعينه وكذا الأجزاء الأصلية من البدن ولهذا يقال للشخص من الصبا إلى الشيخوخة أنه هو بعينه وإن تبدلت الصور والهيئات بل كثير من الآلات والأعضاء ولا يقال لمن جنى في الشباب فعوقب في المشيب أنها عقوبة لغير الجاني قال لنا المعتمد في إثبات حشرالأجساد دليل السمع والمفصح عنه غاية الإفصاح من الأديان دين الإسلام ومن الكتب القرآن ومن الأنبياء محمد عليه السلام والمعتزلة يدعون إثباته بل وجوبه بدليل العقل وتقريره أنه يجب على الله ثواب المطيعين وعقاب العاصين وإعواض المستحقين ولا يتأتى ذلك إلا بإعادتهم بأعيانهم فيجب لأن مالا يتأتى الواجب إلا به واجب وربما يتمسكون بهذا في وجوب الإعادة على تقدير الفناء ومبناه على أصلهم الفاسد في الوجود على الله تعالى وفي كون ترك الجزاء ظلما لا يصح صدوره من الله تعالى مع إمكان المناقشة في أن الواجب لا يتم إلا به وأنه لا يكفي المعاد الروحاني ويدفعون ذلك بأن المطيع والعاصي هي هذه الجملة أو الأجزاء الأصلية لا الروح وحده ولا يصل الجزاء إلى مستحقه إلا بإعادتها والجواب أنه إن اعتبر الأمر بحسب الحقيقة فالمستحق هو الروح لأن مبنى الطاعة والعصيان على الإدراكات والإرادات والأفعال والحركات وهو المبدأ للكل وإن اعتبر بحسب الظاهر يلزم أن يعاد جميع الأجزاء الكائنة من أول التكليف إلى الممات ولا يقولون بذلك فالأولى التمسك بدليل السمع وتقريره أن الحشر والإعادة أمر ممكن أخبر به الصادق فيكون واقعا أما الإمكان فلأن الكلام فيما عدم بعد الوجود أو تفرق بعد الاجتماع أو مات بعد الحياة فيكون قابلا لذلك والفاعل هو الله القادر على كل الممكنات العالم بجميع الكليات والجزئيات وأما الأخبار فلما تواتر من الأنبياء سيما نبينا عليه السلام أنهم كانوا يقولون بذلك ولما ورد في القرآن من نصوص لا يحتمل أكثرها التأويل مثل قوله تعالى * (قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) * * (فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون) * * (فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة) * * (أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه) * * (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) * * (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) * * (يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير) * * (أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور) * إلى غير ذلك من الآيات وفي الأحاديث أيضا كثيرة وبالجملة فإثبات الحشر من ضروريات الدين وإنكاره كفر بيقين فإن قيل الآيات المشعرة بالمعاد الجسماني ليست أكثر وأظهر من الآيات المشعرة بالتشبيه والجبر والقدر ونحو ذلك وقد وجب تأويلها قطعا فلنصرف هذه أيضا إلى بيان المعاد الروحاني وأحوال سعادة النفوس وشقاوتها بعد مفارقة الأبدان على وجه يفهمه العوام فإن الأنبياء مبعثون إلى كافة الخلائق
(٢١٢)