شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٩٥
أمة وكان عن نسيان لقوله تعالى * (فنسي ولم نجد له عزما) * أو كان زلة وسهوا حيث ظن أن المنهي شجرة بعينها وقد قرب فردا آخر من جنسها وإنما عوتب لترك التيقظ والتنبه لإصابة المراد وقد يعتذر بأنه وإن كان عمدا لكن لم يكن إلا صغيرة وهذا هو الظاهر إلا أن فيه تسليما للمدعي وثانيهما قوله تعالى * (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها) * إلى قوله * (جعلا له شركاء فيما آتاهما) * ولم يقل أحد في حق الأنبياء بالشرك في الألوهية ولو قبل البعثة فالوجه أنه على حذف المضاف أي جعل أولادهما له شركاء بدليل قوله تعالى * (فتعالى الله عما يشركون) * أو المراد ما وقع له من الميل إلى طاعة الشيطان وقبول وسوسته أو الخطاب لقريش والنفس الواحدة قصي ومعنى جعل منها زوجها جعلها من جنسها عربية قرشية وإشراكهما فيما آتاهما الله تسمية أولادهما بعبدمناف وعبد العزى وعبد الدار ونحو ذلك وأما الشبهة في حق نوح عليه السلام فهو أن قوله تعالى * (يا نوح إنه ليس من أهلك) * تكذيب له في قوله إن ابني من أهلي والجواب أنه ليس للتكذيب بل للتنبيه على أن المراد بالأهل في الوعد هو الأهل الصالح أو المعنى أنه ليس من أهل دينك أو أنه أجنبي منك وإن أضفته إلى نفسك بأبنائك لما روي من أنه كان ابن امرأته والأجنبي إنما يعد من آل النبي إذا كان له عمل صالح وأما بالشبهة في حق إبراهيم عليه السلام فهو أنه كذب في قوله تعالى * (هذا ربي) * و * (بل فعله كبيرهم) * و * (إني سقيم) * والجواب أن الأول على سبيل الفرض والتقدير كما يوضع الحكم الذي يراد إبطاله أو على الاستفهام أو على أنه كان في مقام النظر والاستدلال وذلك قبل البعثة والثاني على التعريض والاستهزاء والثالث على أن به مرض الهم والحزن من عنادهم أو الحمى على ما قيل وأما الشبهة في قصة يوسف من جهة يعقوب عليهما السلام الإفراط في المحبة والحزن والبكاء والجواب أنه لا معصية في ميل النفس سيما إلى من يلوح عيه آثار الخير والصلاح وأنواع الكمال ولا في بث الشكوى والحزن إلى الله تعالى في مصائب يكون من جهة العباد سيما إن قيل أنه كان من خوف أن يموت يوسف عليه السلام على غير دين الإسلام ومن جهة الإخوة ما فعلوا بيوسف وما قالوا من الكذب والجواب أنهم لم يكونوا أنبياء ومن جهة يوسف الهم المشار إليه بقوله تعالى * (ولقد همت به وهم بها) * * (جعل السقاية في رحل أخيه) * والرضاء بسجود إخوته وأبويه له والجواب أن ذلك قبل البعثة أو المراد وهم بها لولا أن رأى برهان ربه على أن يكون الجواب المحذوف ما دل عليه الكلام السابق ويكون التقدير لولا أن رأى برهان ربه لخالطها أو المراد الميلان المذكور في الطبيعة البشرية لا الهم بالمعصية والقصد إليها أو هو من باب المشارفة أي شارف أن يهم بها وبالجملة فلا دلالة ههنا على العزم والقصد إلى المعصية فضلا عما يذكره الخشوية من الخشويات ولهذا ورد في هذا المقام من الثناء على يوسف ما ورد من غير أن تقع عليه زلة أو يذكر له استغفار وتوبة وأما جعل السقاية في رحل أخيه فقد كان بإذنه ورضاه
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»