في مثل إحياء الموتى وانقلاب العصا حية وانشقاق القمر وسلام الحجر والمدر على أن مجرد التمكين وترك الدفع من قبل الحكيم القادر المختار كاف في إفادة المطلوب ولهذا ذهب المعتزلة إلى أن المعجزة تكون فعلا لله تعالى أو واقعا بأمره أو بتمكينه وثانيا أن كلامنا فيما حصل الجزم بأنه خارق للعادة وأن المتحدين عجزوا عن معارضته مع كونهم أحق بها إن أمكنت لكثرة اشتغالهم بما يناسب ذلك وكما لهم فيه وفرط اهتمامهم بالمعارضة وتوفر دواعيهم ولهذا كانت معجزة كل نبي من جنس ما غلب على أهل زمانه وتهالكوا عليه وتفاخروا به كالسحر في زمن موسى عليه السلام والطب في زمن عيسى والموسيقى في زمن داود والفصاحة في زمن محمد صلى الله عليه وسلم وثالثا أنه لا خفاء ولا خلاف في ترتب الغايات والآثار على بعض أفعاله وإن لم يجعلها إعراضا له على أنا لا نقول أنه فعل المعجزة لغرض التصديق بل أنها دلت على تصديق من الله تعالى قائم بذاته سواء جعل من جنس العلم أو كلام النفس أو غيرهما ورابعا أن ظهور المعجزة على يد الكاذب لأي غرض فرض وإن جاز عقلا بناء على شمول قدرة الله فهو ممتنع عادة معلوم الانتفاء قطعا كما هو حكم سائر العاديات وهذا ما قام القاضي ان اقتران ظهور المعجزة بالصدق أحد العاديات فإذا جوزنا انحرافها عن مجراها جاز إخلاء المعجزة عن اعتقاد الصدق وحينئذ يجوز إظهاره على يد الكاذب وأما بدون ذلك فلا لاستحالة العلم بصدق الكاذب ومنا من قال باستحالته عقلا فالشيخ لإفضائه إلى التعجيز عن إقامة الدلالة على صدق دعوى الرسالة والإمام وكثير من المتكلمين لأن الصدق مدلول بها لازم بمنزلة العلم لإتقان الفعل فلو ظهرت من الكاذب لزم كونه صادقا كاذبا وهو محال والماتريدية لإيجابه التسوية بين الصادق والكاذب وعدم التفرقة بين النبي والمتنبي وهو سفه لا يليق بالحكيم وخامسا أن مجرد إظهار المعجزة على يده يفيدنا العلم بصدقه وبتصديق الله إياه من غير افتقار إلى اعتبار كلام وإخبار ومن هنا يصح التمسك بخبر النبي في إثبات الكلام وامتناع الكذب والنقص على ما مر وإلى هذا يشير ما قال إمام الحرمين إنا نجعل إظهار المعجزة تصديقا بمنزلة أن يقول جعلته رسولا وأنشأت الرسالة فيه كقولك جعلتك وكيلا واستنبتك لشاني من غير قصد إلى إخبار وإعلام بما ثبت ومحصوله أنه يعتبر القول فيه إنشاء لا إخبارا وأما لو تم لنا نفي الكذب عنه بغير خبر النبي على ما سبق فلا إشكال قال خاتمة لا خفاء في ثبوت النبوة بخلق العلم الضروري كعلم الصديق رضي الله تعالى عنه وبخبر من ثبتت عصمته عن الكذب كنصوص التوراة والإنجيل في نبوة نبينا عليه السلام وكإخبار موسى عليه السلام بنبوة هارون وكالب ويوشع عليهم السلام فيما ذكر أمام الحرمين من أنه لا يمكن نصب دليل على النبوة سوى المعجزة لأن ما يقدر دليلا إن لم يكن خارقا للعادة أو كان خارقا ولم يكن مقرونا بالدعوى لم يصلح دليلا للاتفاق على جواز وقوع الخوارق من الله تعالى
(١٧٩)