شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٧٨
من أن الله تعالى يخلق عقيبها العلم الضروري بصدقه كما إذا قام رجل في مجلس ملك بحضور جماعة وادعى أنه رسول هذا الملك إليهم فطالبوه بالحجة فقال هي أن يخالف هذا الملك عادته ويقوم عن سريره ثلاث مرات ويقعد ففعل فإنه يكون تصديقا له ومفيدا للعلم الضروري بصدقه من غير ارتياب فإن قيل هذا تمثيل وقياس للغائب على الشاهد وهو على تقدير ظهور الجامع إنما يعتبر في العمليات لإفادة الظن وقد اعتبرتموه بلا جامع لإفادة اليقين في العلميات التي هي أساس ثبوت الشرايع على أن حصول العلم فيما ذكرتم من المثال إنما هو بشواهد من قرائن الأحوال قلنا التمثيل إنما هو للتوضيح والتقريب دون الاستدلال ولا مدخل لمشاهدة القرائن في إفادة العلم الضروري لحصوله للغائبين عن هذاالمجلس عند تواتر القضية إليهم وللحاضرين فيما إذا فرضنا الملك في بيت ليس فيه غيره ودونه حجب لا يقدر على تحريكها أحد سواه وجعل مدعى الرسالة حجته إن الملك يحرك تلك الحجب من ساعته ففعل فإن قيل ههنا احتمالات تنفي الدلالة على الصدق في الجزم به وهي أنواع الأول احتمال أن لا يكون ذلك الأمر من الله تعالى بل يستند إلى المدعي بخاصية في نفسه أو مزاج في بدنه أو لاطلاع منه على خواص في بعض الأجسام يتخذها ذريعة إلى ذلك أو يستند إلى بعض الملائكة أو الجن أو إلى اتصالات كوكبية وأوضاع فلكية لا يطلع عليها غيره إلى غير ذلك من الأسباب الثاني احتمال أن لا يكون خارقا للعادة بل ابتداء عادة أراد الله إجراءها أو تكرير عادة لا تكون إلا في دهور متطاولة كعود الثوابت إلى نقطة معينة الثالث احتمال أن يكون مما يعارض إلا أنه لم يعارض لعدم بلوغه إلى من يقدر المعارضة أو المواضعة من القوم وموافقة في إعلاء كلمته أو الخوف أو لاستهانة وقلة مبالاة أو لاشتغال بما هو أهم أو عورض ولم ينقل لمانع الرابع احتمال أن لا يكون لغرض التصديق إما لانتفاء الغرض في فعله على ما هو المذهب وإما لثبوت غرض آخر مثل أن يكون لطفا بمكلف أو إجابة لدعوته أو معجزة لنبي آخر أو ابتلاء للعبد لينال الثواب بالتوقف عن موجبه أو النظر والاجتهاد في دفعه كما في إنزال المتشابه أو إضلالا للخلق على ما هو المذهب عندكم من أن الله يضل من يشاء من عباده وبعد تسليم انتفاء الاحتمالات وكون المعجزة بمنزلة صريح القول من الله تعالى بأن المدعي صادق فهو لا يوجب صدقة إلا بعد استحالة الكذب في اخبار الله تعالى ولا سبيل إلى ذلك بدليل السمع للزوم الدور ولا بدليل العقل لأن غايته أن الكذب قبيح وهو على الله تعالى مستحيل وثبوت المقدمتين بغير دليل السمع في حيز المنع فالجواب إجمالا أن الاحتمالات والتجويزات العقلية لا تنافي العلوم العادية الضرورية القطعية فنحن نقطع بحصول العلم بالصدق عقيب ظهور المعجزة من غير التفات إلى ما ذكر من الاحتمالات لا بالنفي ولا بالإثبات كما يحصل في المثال المذكور وإن كان الملك ظلوما غشوما كذوبا لا يبالي بإغواء رعيته والاستهزاء برسله وتفصيلا أولا أنا بينا أن لا مؤثر في الوجود إلا الله وحده سيما
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»