إليها كالبراهمة جمع من الهند أصحاب برهام ومنهم من لزم ذلك من عقايدهم كالفلاسفة النافين لاختيار الباري وعلمه بالجزئيات وظهور الملك على البشر ونزوله من السماوات ومنهم من لاح ذلك على أفعاله وأقواله كالمصرين على الخلاعة وعدم المبالاة ونفي التكاليف ودلالة المعجزات وهؤلاء آحاد وأوباش من الطوايف لا طائفة معينة يكون لها ملة ونخلة وبالجملة للمنكرين شبه الأولى أن البعثة تتوقف على علم المبعوث بأن الباعث هو الله تعالى ولا سبيل إلى ذلك والجواب المنع لجواز أن ينصب دليلا له أو يخلق علما ضروريا فيه الثانية وهي للبرهمة أن ما جاء به النبي إما أن يكون موافقا للعقل حسنا عنده فيقبل ويفعل وإن لم يكن نبي أو مخالفا له قبيحا عنده فيرد ويترك وإن جاء به النبي وأياما كان لا حاجة إليه فإن قيل لعله لا يكون حسنا عند العقل ولا قبيحا قلنا فيفعل عند الحاجة لأن مجرد الاحتمال لا يعارض تنجز الاحتياج ويترك عند عدمها للاحتياط والجواب أن ما يوافق العقل قد يستقل بمعرفته فيعاضده النبي ويؤكده بمنزلة الأدلة العقلية على مدلول واحد وقد لا يستقل فيدل عليه ويرشده وما يخالف العقل قد لا يكون مع الجزم فيدفعه النبي أو يرفع عنه الاحتمال وما لا يدرك حسنه ولا قبحه قد يكون حسنا يجب فعله أو قبيحا يجب تركه هذا مع أن العقول متفاوتة فالتفويض إليها مظنة التنازع والتقاتل ومفض إلى اختلال النظام وأن فوائد البعثة لا تنحصر في بيان حسن الأشياء وقبحها على ما تقدم الثالثة أن العمدة في باب البعثة هي التكليف وهو عبث لا يليق بالحكيم إذ لا يشتمل على فائدة للعبد لكونه في حقه مضرة ناجزة ومشقة ظاهرة ولا للمعبود لتعاليه عن الاستفادة والانتفاع وأيضا منه شغل للقلب عما هو غاية الأعمال ونهاية الكمال أعني الاستغراق في معرفته والفناء في عظمته والجواب أن مضاره الناجزة قليلة جدا بالنسبة إلى منافعها الدنيوية والأخروية الظاهرة لدى الواقفين على ظواهر الشريعة النبوية فضلا عن الكاشفين عن أسرارها الخفية وإذا تأملتم فالتكليف صرف إلى ما ذكرتم لا شغل عنه على ما توهمتم الرابعة وهي لأهل الخلاعة المنهمكين في اتباع الهوى وترك الطاعة إنا نجد الشرايع مشتملة على أفعال وهيئات لا نشك في أن الصانع الحكيم لا يعتبرها ولا يأمر بها كما نشاهد في الحج والصلاة وكغسل بعض الأعضاء لتلوث بعض آخر إلى غير ذلك من الأمور الخارجة عن قانون العقل والجواب أنها أمور تعبدية اعتبرها الشارع ابتلاء للمكلفين وتطويعا لنفوسهم وتأكيدا لملكة امتثالهم الأوامر والنواهي ولعل فيها حكما ومصالح لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم وقد أشار إليها بعض الخائضين في بحار أسرار الشريعة الخامسة القدح في ثبوت المعجزة ووجه دلالتها ونقلها سيأتي بأجوبتها قال المبحث الثاني المعجزة مأخوذ من العجز المقابل للقدرة وحقيقة الإعجاز إثبات العجز استعير لإظهاره ثم أسند مجازا إلى ما هو سبب العجز وجعل اسما له فالتاء للنقل من الوصفية إلى الإسمية كما
(١٧٥)