شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٧٦
في الحقيقة وقيل للمبالغة كما في العلامة وذكر إمام الحرمين بناء على رأي الأشعري أن ههنا تجوزا آخر هو استعمال العجز في عدم القدرة كالجهل في عدم العلم وهو في الحقيقة ضد للقدرة وإنما يتعلق بالموجود وبما يقدر عليه حتى أن عجز الزمن إنما هو عن القعود بمعنى أنه وجد منه اضطرارا لا اختيارا فلتحقق العجز عن المعارضة لوجدت المعارضة الاضطرارية والمعجزة في العرف أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة وإنما قال أمر ليتناول الفعل كانفجار الماء من بين الأصابع وعدمه كعدم إحراق النار ومن اقتصر على الفعل جعل المعجزة ههنا كون النار بردا وسلاما أو بقاء الجسم على ما كان عليه من غير احتراق واحترز يقيد المقارنة للتحدي عن كرامات الأولياء والعلامات الإرهاصية التي تتقدم بعثة الأنبياء وعن أن يتخذ الكاذب معجزة من مضى من الأنبياء حجة لنفسه وبقيد عدم المعارضة عن السحر والشعبذة كذا ذكره الإمام الرازي وفيه نظر أما أولا فلأنه لا بد من قيد الظهور على يد المدعي ومن جهته احترازا عن أن يتخذ الكاذب معجزة من يعاصره من الأنبياء حجة لنفسه وعن أن يقول معجزتي ما ظهر مني في السنين الماضية فقد صرحوا بأنه لا عبرة بذلك ومن قيد الموافقة للدعوى احترازا عما إذا قال معجزتي نطق هذا الجماد فنطق بأنه مفتر كذاب ولهذا قال الشيخ أبو الحسن هي فعل من الله تعالى أو قائم مقام الفعل يقصد بمثله التصديق وقال بعض الأصحاب هي أمر قصد به إظهار صدق من ادعى الرسالة وأما ثانيا فلأن القوم عدوا من المعجزات ما هو متقدم غير مقرون بالتحدي ولا مقصود به إظهار الصدق لعدم الدعوى حينئذ كإظلال الغمام وتسليم الحجر والمدر ونحو ذلك وأما ثالثا فلأن المعجزة قد تتأخر عن التحدي كما إذا قال معجزتي ما يظهر مني يوم كذا فظهرت ويمكن الجواب عن الأول بأن ذكر التحدي مشعر بالقيدين فإن معناه طلب المعارضة فيما جعله شاهدا لدعوته وتعجيز الغير عن الإتيان بمثل ما أبداه تقول تحديت فلانا إذا باريته الفعل ونازعته الغلبة وتحديته القراءة أينا إقراء وبالتحدي يحصل ربط الدعوى بالمعجزة حتى لو ظهرت آية من شخص وهو ساكت لم يكن معجزة وكذا لو ادعى الرسالة فظهرت الآية من غير إشعار منه بالتحدي قالوا ويكفي في التحدي أن يقول آية صدقي أن يكون كذا وكذا ولا يحتاج إلى أن يقول هذه آيتي ولا يأتي أحد بمثلها فعلى هذا لا تكون معجزة نبي ماض ولا معاصر معجزة للغير وعن الثاني إن عد الإرهاصات من جملة المعجزات إنما هو على سبيل التغليب والتشبيه والمحققون على أن خوارق العادات المتعلقة ببعثة النبي إذا كانت متقدمة فإن ظهرت منه فإن شاعت وكان هو مظنة البعثة كما في حق نبينا عليه السلام حيث أخبر بذلك بعض أهل الكتاب والكهنة فإرهاص أي تأسيس لقاعدة البعثة وإلا فكرامة محضة وإن ظهرت من غيره فإن كان من الأخبار فكذلك أي أرهاص أو كرامة وإلا فإرهاص
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»