شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٤٤
) وعن الحسن بعث الله تعالى محمدا إلى العرب وهم قدرية يحملون ذنوبهم على الله وتصديقه قوله تعالى * (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) * قلنا ما ذكر لا يدل إلا على أن القول بأن فعل العبد إذا كان بقضاء الله تعالى وقدره وخلقه وإرادته يجوز للعبد الإقدام عليه ويبطل اختياره فيه واستحقاقه للثواب والعقاب والمدح والذم عليه قول المجوس فلينظر أن هذا قول المعتزلة أم المجبرة ولكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور ومن وقاحتهم أنهم يروجون باطلهم بنسبته إلى مثل أمير المؤمنين علي وأولاده رضي الله عنهم وقد صح عنه أنه خطب الناس على منبر الكوفة فقال ليس منا من لم يؤمن بالقدر خيره وشره وأنه حين أراد حرب الشام قال (شمرت ثوبي ودعوت قنبرا * قدم لوائي لا تؤخر حذرا) (لن يدفع الحذار ما قد قدرا *) وأنه قال لمن قال إني أملك الخير والشر والطاعة والمعصية تملكها مع الله أو تملكها بدون الله فإن قلت أملكها مع الله فقد ادعيت أنك شريك الله وإن قلت أملكها بدون الله فقد ادعيت أنك أنت الله فتاب الرجل على يده وأن جعفر الصادق قال لقدري اقرأ الفاتحة فقرأ فلما بلغ قوله * (إياك نعبد وإياك نستعين) * قال له جعفر على ماذا تستعين بالله وعندك أن الفعل منك وجميع ما يتعلق بالأقدار والتمكين والألطاف قد حصلت وتمت فانقطع القدري والحمد لله رب العالمين قال فرع ذهبت المعتزلة إلى أن فعل الفاعل قد يوجد لفاعله فعلا آخر في محل القدرة أو خارجا عنه وذلك معنى التوليد وفرعوا عليه فروعا مثل أن المتولد بالسبب المقدور بالقدرة الحادثة يمتنع أن يقع بالقدرة الحادثة بطريق المباشرة من غير توسط السبب ومثل اختلافهم في أن المتولد هل يقع في فعل الله تعالى أم جميع أفعاله بطريق المباشرة وفي أن الموت هل هو متولد من الجرح حتى يكون فعل العبد إلى غير ذلك ولما ثبت استناد الممكنات إلى الله ابتداء بطل التوليد عن أصله والمعتزلة تمسكوا في كون المتولد فعلا للعبد سواء تولد من فعله المباشر أو فعله المتولد كحركة الآلة وحركة المتحرك بالآلة بمثل ما ذكروا في مسألة خلق الأعمال من وقوعه على وفق القصد والداعية ومن حسن المدح والذم والأمر والنهي بل استحسان المدح والذم على الأفعال المتولدة كالكتابة والصياغة وإنشاء الكلام والدفع والجذب والقتل والحرب أظهر عند العقلاء من المدح والذم على المباشرات لأنها لا تظهر ظهور المتولدات وكذا الوقوع بحسب الدواعي أظهر فيها لأن أكثر الدواعي إنما يكون إلى المتولدات والجواب مثل ما مر وذهب النظام من المعتزلة إلى أنه لافعل للعبد إلا ما يوجد في محل قدرته والباقي بطبع المحل وقال معمر لا فعل للعبد إلا الإرادة وما يحدث بعدها إنما هو بطبع المحل وقيل لا فعل للعبد إلا الفكر قالوا لو كان المتولد فعلنا لم يقع إلا بحسب دواعينا كالمباشر واللازم باطل لأن كثيرا من أرباب الصناعات ينقضون أعمالهم لعدم موافقتها
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»