المطر المخصب للبلاد يخرب بعض الدور بالضرورة وجب في الحكمة إيجاده لأن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير فدخل الشر في القضاء وإن كان مكروها غير مرضي قال ثم لا خلاف في ذم القدرية قد ورد في صحاح الأحاديث لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا والمراد بهم القائلون بنفي كون الخير والشر كله بتقدير الله تعالى ومشيئته سموا بذلك لمبالغتهم في نفيه وكثرة مدافعتهم إياه وقيل لإثباتهم للعبد قدرة الإيجاد وليس بشيء لأن المناسب حينئذ القدري بضم القاف وقالت المعتزلة القدرية هم القائلون بأن الخير والشر كله من الله وبتقديره ومشيئته لأن الشائع نسبة الشخص إلى ما يثبته ويقول به كالجبرية والحنفية والشافعية لا إلى ما ينفيه ورد بأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله القدرية مجوس هذه الأمة وقوله إذا قامت القيامة نادى مناد في أهل الجمع ابن خصماء الله فيقوم القدرية ولا خفاء في أن المجوس هم الذين ينسبون الخير إلى الله والشر إلى الشيطان ويسمونهما يزدان واهر من وان من لا يفوض الأمور كلها إلى الله ويعترض لبعضها فينسبه إلى نفسه يكون هو المخاصم لله تعالى وأيضا من يضيف القدر إلى نفسه ويدعي كونه الفاعل والمقدر أولى باسم القدري ممن يضيفه إلى ربه فإن قيل روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل قدم عليه من فارس أخبرني بأعجب شيء رأيت فقال رأيت أقواما ينكحون أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم فإذا قيل لهم لم تفعلون ذلك قالوا قضاء الله علينا وقدره فقال عليه السلام سيكون في آخر أمتي أقوام يقولون مثل مقالتهم أولئك مجوس أمتي وروى الأصنع بن نباته أن شيخا قام إلى علي ابن أبي طالب بعد انصرافه من صفين فقال أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله وقدره فقال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلا بقضاء الله وقدره قال الشيخ عند الله احتسب عنائي ما أرى لي من الأجر شيئا فقال له مه أيها الشيخ عظم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين فقال الشيخ كيف والقضاء والقدر ساقانا فقال ويحك لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي ولم تأت لائمة من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسئ ولا المسئ أولى بالذم من المحسن تلك مقالة عبدة الأوثان وجنود الشياطين وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب وهم قدرية هذه الأمة ومجوسها إن الله أمر تخييرا ونهى تحذيرا وكلف يسيرا لم يعص مغلوبا ولم يطع مستكرها ولم يرسل الرسل إلى خلقه عبثا ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار فقال الشيخ وما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلا بهما قال هو الأمر من الله والحكم ثم تلا قوله تعالى * (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) *
(١٤٣)