شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٢٣
والجواب منع ذلك بل إنما سبقت الآية لبيان أنواع تكليم الله البشر والتكليم وحيا أعم من أن يكون مع الرؤية أو بدونها بل ينبغي أن يحمل على حال الرؤية ليصح جعل قوله * (أو من وراء حجاب) * عطفا عليه قسيما له إذ لا معنى له سوى كونه بدون الرؤية تمثيلا بحال من احتجب بحجاب ولو سلم دلالتها على نفي الرؤية ونزولها في ذلك فيحمل على الرؤية في الدنيا جمعا بين الأدلة وجريا على موجب القرينة أعني سبب النزول وقوله * (وحيا) * نصب على المصدر و * (من وراء حجاب) * صفة لمحذوف أي كلاما من وراء الحجاب أو يرسل عطف على وحيا بإضمار أن والإرسال نوع من الكلام ويجوز أن تكون الثلاثة في موضع الحال قال السابع) تقريره أن الله حيثما ذكر في كتابه سؤال الرؤية استعظمه استعظاما شديدا واستنكره استنكارا بليغا حتى سماه ظلما وعتوا كقوله تعالى * (وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا) * وقوله * (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون) * وقوله * (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم) * فلو جازت رؤيته لما كان كذلك والجواب أن ذلك لتعنتهم وعنادهم على ما يشعر به مساق الكلام لا لطلبهم الرؤية ولهذا عوتبوا على طلب إنزال الملائكة عليهم والكتاب مع أنه من الممكنات وفاقا ولو سلم فلطلبهم الرؤية في الدنيا وعلى طريق الجهة والمقابلة على ما عرفوا من حال الأجسام والأعراض وقوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام * (تبت إليك وأنا أول المؤمنين) * معناه التوبة عن الجرأة والإقدام على السؤال بدون الإذن أو عن طلب الرؤية في الدنيا ومعنى الإيمان التصديق بأنه لا يرى في الدنيا وإن كانت ممكنة وما قال به بعض السلف من وقوع الرؤية بالبصر ليلة المعراج فالجمهور على خلافه وقد روي أنه سئل صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك فقال رأيت ربي بفؤادي وإن الرؤية في المنام فقد حكي القول بها عن كثير من السلف قال خاتمة اختلف القائلون برؤية الله تعالى في أنه هل يصح رؤية صفاته فقال الجمهور نعم لاقتضاء دليل الوجود صحة رؤية كل موجود إلا أنه لا دليل على الوقوع وكذا إدراكه بسائر الحواس إذا عللناه بالوجود سيما عند الشيخ حيث يجعل الإحساس هو العلم بالمحسوس لكن لا نزاع في امتناع كونه مشموما مذوقا ملموسا لاختصاص ذلك بالأجسام والأعراض وإنما الكلام في إدراكه بالشم والذوق واللمس من غير اتصال بالحواس وحاصله انه كما أن الشم والذوق واللمس لا يستلزم الإدراك لصحة قولنا شممت التفاح وذقته ولمسته فما أدركت رائحته وطعمه وكيفيته كذلك أنواع الإدراكات الحاصلة عند الشم والذوق واللمس لا يستلزمها بل يمكن أن يحصل بدونها ويتعلق بغير الأجسام والأعراض وإن لم يقم دليل على الوقوع لكنك خبير بحال دليل الوجود وجريانه في سائر الحواس فالأولى الاكتفاء بالرؤية قال المبحث الثاني
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»