فاكتفى بعض أهل السنة بأنا نعلم بالبرهان أن لا خالق سوى الله تعالى ولا تأثير إلا للقدرة القديمة ونعلم بالضرورة أن القدرة الحادثة للعبد تتعلق ببعض أفعاله كالصعود دون البعض كالسقوط فيسمى أثر تعلق القدرة الحادثة كسبا وإن لم يعرف حقيقته قال الإمام الرازي هي صفة تحصل بقدرة العبد بفعله الحاصل بقدرة الله تعالى فإن الصلاة والقتل مثلا كلاهما حركة ويتمايز أن يكون إحداهما طاعة والأخرى معصية وما به الاشتراك غير ما به التمايز فأصل الحركة بقدرة الله تعالى وخصوصية الوصف بقدرة العبد وهي المسماة بالكسب وقريب من ذلك ما يقال أن أصل الحركة بقدرة الله وتعينها بقدرة العبد وهو الكسب وفيه نظر وقيل الفعل الذي يخلقه الله تعالى في العبد ويخلق معه قدرة للعبد متعلقة به يسمى كسبا للعبد بخلاف ما إذا لم يخلق معه تلك القدرة وقيل إن للعبد قدرة تختلف بها النسب والإضافات فقط كتعيين أحد طرفي الفعل والترك وترجيحه ولا يلزم منها وجود أمر حقيقي فالأمر الإضافي الذي يجب من العبد ولا يجب عند وجود الأثر هو الكسب وهذا ما قالوا هو ما يقع به المقدور بلا صحة انفراد القادرية وما يقع في محل قدرته بخلاف الخلق فإنه ما يقع به المقدور مع صحة انفراد القادرية وما يقع لا في محل قدرته فالكسب لا يوجب وجود المقدور بل يوجب من حيث هو كسب اتصاف الفاعل بذلك المقدور ولهذا يكون مرجعا لاختلاف الإضافات ككون الفعل طاعة أو معصية حسنا أو قبيحا فإن الاتصاف بالقبيح بقصده وإرادته قبيح بخلاف خلق القبيح فإنه لا ينافي المصلحة والعاقبة الحميدة بل ربما يشتمل عليهما وملخص الكلام ما أشار إليه الإمام حجة الإسلام وهو أنه لما بطل الجبر المحض بالضرورة وكون العبد خالقا لأفعاله بالدليل وجب الاقتصاد في الاعتقاد وهو أنها مقدورة بقدرة الله تعالى اختراعا وبقدرة العبد على وجه آخر من التعلق يعبر عنه عندنا بالاكتساب وليس من ضرورة تعلق القدرة بالمقدور أن يكون على وجه الاختراع إذ قدرة الله تعالى في الأزل متعلقة بالعالم من غير اختراع ثم تتعلق به عند الاختراع نوعا آخر من التعلق فحركة العبد باعتبار نسبتها إلى قدرته تسمى كسبا له وباعتبار نسبتها إلى قدرة الله تعالى خلقا فهي خلق للرب ووصف للعبد وكسب له وقدرته خلق للرب ووصف للعبد وليس بكسب له قوله لنا عقليات وسمعيات استدل على كون فعل العبد واقعا بقدرة الله تعالى بوجوه عقلية وسمعية فالأول من الوجوه العقلية أن فعل العبد ممكن وكل ممكن مقدور لله تعالى لما مر في بحث الصفات ففعل العبد مقدور الله تعالى فلو كان مقدورا للعبد أيضا على وجه التأثير لزم اجتماع المؤثرين المستقلين على أثر واحد وقد بين امتناعه في بحث العلل فإن قيل اللازم من شمول قدرته كون فعل العبد مقدورا له بمعنى دخوله تحت قدرته وجواز تأثيرها فيه ووقوعه بها نظرا إلى ذاته لا بمعنى أنه واقع بها ليلزم المحال قلنا جواز وقوعه بها مع وقوعه
(١٢٧)